متى لم تجد الخيال القوي في مؤرخ الأدب، ومتى رأيت هذا المؤرخ لا

يتوكأ إلا على المنطق والمقاييس والأوزان، فاقذف به وبتاريخه وأدبه وآدابه

حيث شئت؛ فإنه لا يمتنع في يدك ولا يستعصي عليك، لأن سكونه واستقراره - ولو كانا على كرسي الجامعة - لا يأتيان من أنه وثيق ركين، ولا من أن أصوله شابكة متصلة بل من سكون الريح من حوله وحياطته بالأستار من هنا وهناك.

فإن صاحب العلم رجل وصاحب الفن رجل غيره، والأصل في العلم العقل.

والأصل في الفن الغريزة، ودليل العقل المنطق والقياس، ودليل الغريزة الحس

والموهبة.

والأدب من العلوم كالأعصاب من الجسم، هي أدق ما فيه ولكنها مع

ذلك هي الحياة والخلق والقوة والإبداع، ولا تقاس بمقياس العظام المشبوحة

الغليظة، ولا توزن بميزان العضلات المكتنزة الشديدة، ولا ينفع فيها المتر ولا

الكيلو.. فإن جاءك صاحب المتر أو الكيلو فاقذف به الطريق، وإن قال لك إن المتر مقسم إلى مائة جزء وكل جزء إلى عشرة أجزاء. . .

* * *

قبل أن نخوض في كتاب الأستاذ طه حسين نشكر له ما تفضل به من الثناء

علينا في كتابه واستثناءه إيانا في بعض المعاني من كل من درسوا تاريخ الآداب

العربية، ونحن، دون هذا في نفسنا ودون ما أبلغَنا إياه مع بعض أصدقائنا وإن كنا نعرف من صنيع الأستاذ الفاضل أنه لا ينصفنا مرة إلا بعد أن يظلمنا مراراً، وأنه اتخذ الوقيعة فينا مذهباً عُرف به وغلب عليه.

حتى لا يكاد يقول أنصار القديم أو يكتب أنصار القديم أو يذم أنصار القديم إلا توجه ذلك عنده إلينا خالصاً لنا من دون المؤمنين. . . وهو لو عافاه الله من التعنت بعلمه على الناس، ورَزقه نعمةَ الوقوف عند حده وحَفظ عليه الفضيلة الشرقية الإسلامية، لربحناه ربح الذهب والفضة، ولكننا كيفما عاملنا به في سوق الشرق والغرب لم نجده في يد الشرق إلا نحاساً وفي يد الغرب إلا ذهباً، فهو ولكن في الديون التي علينا، أما في الديون التي لنا فلا يُحسب لنا إلا. . . "بقرش خردة!.

التمسنا في كتاب الشعر الجاهلي تلك المسائل الأربع التي رفعناها إلى

الجامعة فإذا الأستاذ قد حذف منه أعظمها خطراً وأكبرها شأناً، وهي مسألة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015