عليه بسبيل من القليل الذي وقف عليه، ويبني للمعلوم والمجهول بناء واحدا
هو الشك الذي لا يدري أحد أين يقع ولا ماذا يمحو ولا كيف يكون، ولكنه مع ذلك يمحو ويكون كما يريد طه حسين، ولا طه في الدنيا إلا طه الذي في الجامعة. . . يعلم هذا مَن عَلِمَ ويجهَل من جهل!
يحتج الدكتور هيكل لمذهب أناتول فرانس بأستاذ الجامعة الذي عبر عنه
بأنه "أساتذة الجامعة".. ومنذ أيام احتج بعض المبشرين المسيحيين بأستاذ
الجامعة أيضاً لأنه أثبت "رسمياً في الجامعة التي أنشأتها دولة مسلمة" أن
الإسلام دين الحرج والتعصب وضيق الفكر، وإلا فما المعنى من أن المسلمين
وحكامهم يمحون في أول الإسلام شعر اليهود والنصارى والوثنيين إن لم يكن
هو هذا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وغفر الله لك أيها المبشر طه حسين!
عجباً يقلد طه أناتول فرانس! ألا فجئنا أيها الرجل مرة واحدة في مثل
بلاغة من تقلده، ثم أظهر بعد ذلك مائة مرة في مثل سخافة آرائه، نغتفر لك
مائة بواحدة، فأما أن تكون ممن محق الله خيالهم ثم تكون مع ذلك ممن صرف
الله قلوبهم فتلك المصيبة لا مصيبة مثلها، وما نراك اتبعك فيها إلا الذين هم
أراذلنا، وما نراك إلا كالذي استهوته الشياطين في الأرض حَيران!
وإن لأناتول فرانس كلمة تنطبق على أستاذ الجامعة كأنَّ الله ألهمه إياها
لتقع إلينا، فهو يسمي علم مثل هذا الأستاذ "بالضلالات المعقدة" كأنه يعني
أنهم يحسبون تعقيدها علماً وحلها علماً، مع أنها في نفسها ضلالة، والضلالة
في نفسها جهل، والجهل في نفسه ليس بعلم!
قرأنا مرة جريدة "البلاغ " الغراء بتوقيع "فرحات " أن محاضرة أستاذ
الجامعة في امرئ القيس مسروقة من دائرة المعارف الإسلامية المطبوعة في
ألمانيا، واليوم نرى في كلام "السياسة" أن الرجل مقلد تقليداً مضحكاً، يستعمل الغِربال في مكان المُنخُل فيأتينا بالدقيق الترابي. . . وهذا كله مما يزيدنا إصرارا على أسئلتنا التي رفعناها إلى الجامعة، فإن هذا الرجل إنما هو بلاء على الأدب وفساد في التاريخ، وإن الجامعة لا تملك أن تُضِل الناس به، وما دامت قد أعطتهم من كلامه فلتأخذ من كلامهم، وهي إن كانت على حق في آراء أستاذها فلتذكر للناس باطلنا بالمناظرة التي ندعوها إليها، وإن كانت على باطل فما سبيلها إلا أن تسألنا الحق.