الليث، فى حين لا تنسب الباقيات إلا للحمار وحده؛ لعمري ما أنت بأصدق منهم ولا هم بأكذب منك، وفضل ما بينك وبينهم أنهم إلى وجه الكذب وأنت إلى - قفاه. . . والكذب كله بينكما وجهاً وقفاً. . .
يعبث أستاذ الجامعة برجال التاريخ العربي " من الشعراء وغير الشعراء"
عَبثَ أناتول فرانس بذلك الراهب الفاضل، ولكن فات الأستاذ المقلد المنعكس أن الغراب لا يصلح طاووساً ولا حمامة، فإن كاتب أوروبا إنما ألحد وسخر وتماجَن لأن هذه ألوان من ألوان بلاغته التي تضرب الكلام بعضه ببعض وتقوم على المتناقض كما تقوم على المتلائم، فلو هو تركها لتكلف للكتابة وجرى فيها على غير طبعه وفقدَ أحسن ما يميزه في القَصص والرواية، ثم هو يرى التاريخ فنا لا علماً، لأنه كاتب لا مؤرخ، وقاص لا محقق، فيتولاه بالخيال لا بالحافظة، ويأخذه من الروح أكثر مما يأخذه من الفكر، وبذلك انتهى في رأيه إلى أن الأدلة التاريخية إنما هي منازع تختلف العواطف عندها، فأنكر ما شئت فلك ذلك لأن لك عاطفة، وأثبت ما شئت فذلك إليك لأن لك عاطفة أيضاً. . .
والتاريخ عنده هو كل شيء إلا الحقيقة، لأن الحقيقة بزعمه لا تلتمس فيه
ألبتَّة، ولهذا الكاتب آراء فاسدة ظاهرة البطلان، منها رأيه في التاريخ ولكنه
يسوقها في عبارات بليغة إذا أنت كنت بصيراً بصناعة البيان ودققت فيها رأيت فساد المعاني وحركة اضطرابها في ذهن هذا الرجل من ألطف أسباب بلاغته، كأنه يريد أن يأتيك بالبلاغة في هيئة راقصة خليعة مبتذلة تتطوَّسُ لك في ألوانها وخُيلائها وتُفحِش عليك في دلِّها وغَزَلها فلا تشك في سقوطها وسفالها، ولكنك لا تنكر أيضاً أن هذا كله أجمل الجمال فيها، ثم إنه رجل ذو فكر واسع ينتظم النقائض من أطرافها، ويأخذها على ما أرادها من معاني نفسه لا من معانيها، ويعطيها قرَّاءه على الوجه الذي يريده من معانيه كذلك لا من معانيها.
وما البلاغة إلا مثل هذا السحر إن لم يكن هو إياها.
ولكن ما بال أستاذ الجامعة في عبارته الركيكة وذهنه الفج وخياله
المطموس وقلبه المطبوع عليه وفلسفته الزائفة وتقليده الأعور؛ وما له يجهل
فرق ما بين التاريخ يتولاه كاتب للقصة والحكاية، وما بينه حين يتولاه أستاذ
للتمحيص والتحقيق! ثم بين التاريخ على أنه مادة فلسفية من الأعمال
والحوادث، وبينه على أنه مادة علمية من الأنفس والعقول؛ وما عسى أن يكون غناء الإنكار مع الحجج والنصوص المجمع عليها، إلا أن تكون تلك حيلة احتال بها الأستاذ، وهو يعلم أنه قليل الاطلاع، فيجعل الكثير الذي لم يقف