بعثرها وشردها، وهو كان في وهمها مَلاذاً وكان عندها حمَى فذلك مثل القوم
وما يحتاجون إليه من الرجل البليغ إذا التمسوه فاصابوه!
* * *
أما إنه ليس يقوم العقل ما يسمى عقلاً، ولكن على ما يسمى غرضاً
وحاجة ورغبة واضطراراً، فأهواء امرئ من الناس جاعلة له عقلاً غير عقل من لم تدعه نفسه إلى مثل هذه الأهواء، وإن كان أمرهما واحداً بعد.
ومن هنا اختلافنا معْ هؤلاء المجددين، فإن لهم أغراضاً لا مناص أن تجعل لهم عقولاً بحَسبها وعلى مقاديرها في المصلحة والمفسَدة، وهم صُور من ضمائرهم،فليس - في الملحد يكون ضمير مؤمن، ولا في الفاجر ضمير تقي، ولا في المستهتر ضمير ورع، ومن ثم وجب أن تتحذرهم الأمة وأن تقرهم في ذلك الحيز من تخيلاتهم وأوهامهم، فهم من الأمة إذا غلبت هي عليهم وليسوا منها إذا غلبوا عليها، وما مَثلُهم إلا كالرمل والحصى، تكون في مجرى الماء العذب فتكون شيئاً من طبيعته وتحدث فيه لوناً من الحسن والرونق، وإذا هي خيال من شعر النهر، حتى إذا خرجت مع الماء وانساغت في حلق من يجرعه كانت بلاء وأذى وانقلبت للماء سُبة ورُمي بها ورميت به!
وهم يريدون بآرائهم الأمة ومصالحها ومراشدها، ويقولون في ذلك بما
يسعه طغيانهم على القول واتساعهم في الكلام واقتدارهم على الثرثرة، حتى إذا فتشتَ وحققت لم تجد في أقوالهم إلا ذواتهم وأغراضهم وأهواءهم يريدون أن يبتلوا بها الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، كالمسلول يصافحك ليُبلغك تحيته وسلامه فلا يبلغك إلا مرضه وأسباب موته!
ولقد كان من أشدهم عُراماً وشراسة وحمقاً هذا الدكتور "طه حسين"
أستاذ الآداب العربية في الجامعة المصرية، فكانت دروسه الأولى "في الشعر
الجاهلي" كفراً بالله وسخرية بالناس، فكذب الأديان وسفه التواريخْ "وكثر غلطه وجهله، فلم تكن في الطبيعة توة تعينه على حمل كل ذلك والقيام به إلا
المكابرة واللجاجة، فمرَّ يهذي في دروسه، ولا هو يثبت الحقيقة الخيالية ولا
يترك الحقيقة الثابتة، وأراد أن يسلب أهل العلم ما يعلمونه كما يسلبك اللص ما تملك بالجرأة لا بالحق وبالحيلة لا بالإقناع، وعن غفلة لا عن بينة. وما يضحكني إلا أن أرى هذا الأستاذ واثنين أو ثلاثة من أشباهه يريدون أن يكونوا ثورة في الأدب العربي، ونسوا أنهم إنما يريدون ذلك لأنهم خُلقوا لذلك، فكان "طه" في الجامعة كالممثل، إنما وسيلته أن يتصنع ويجترئ ويزور.
فلما نزعنا