بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على رسله وأَنبياء
اللهم هيئ لنا الخير، واعزم لنا على الرشد، وآتنا من لدُنكَ رحمة.
واكتب لنا السلامة في الرأي، وجنبنا فتنةَ الشيطان أن يقوى بها فنضعف، أو
نضعفَ لها فيقوى، ولا تدعنا من كوكب هداية منك في كل ظلمة شك منا.
واعصمنا أن تكون آراؤنا في الحق البين مكان الليل من نهاره، أو تنزل ظنوننا
من اليقين النيِّر منزلة الدخان من ناره، نسألك بوجهك، ونتوسل إليك بحمدك وندعوك بأفئدة عرفتك حين كذب غيرها فأقرَّت، وآمنت بك فزُلزل غيرها واستقرت.
وأما بعدُ، فإني قد نظرت فإذا كل ما كنتُ أريد أن أقوله في هذه الكلمة
قد كتبتُه في هذه المقالات، فهي لا تدع مسألة ولا تترك شبهة ولا تزال تأخذ
بيد القارئ فتضعها على غلطات أصحابنا المجددين، بل المبددين، واحدة بعد
واحدة، وشيئاً بعد شيء، فهو منها في برهان لائح من حيث بداً إلى حيث
ينتهي، كالنجم لا يزال بعين منه أين مشى وكيف تلفت.
وما رأيت فئة يأكل الدليل الواحد أدلتها جميعاً كهؤلاء المجددين في
العربية، فهم عند أنفسهم كالجمرة المتوقدة، لا يُشبعها حطبُ الدنيا ولكن غرفة من الماء تأكل الجمرة، وهم مخذولون بقوة الله، إذ ليس فيهم رجل فصيح بليغ يكون لهم كالتعبير من الطبيعة عن هذا المذهب، حتى يثبت مذهبهم فلا يُدفع ويقوم فلا يُنقص، ولن يأتي لهم هذا الرجل، فلو أَنه اتفق لهم لكان أشد أعدائهم، ولأغلظ فيهم النكاية، فما زال ينقصهم أبداً ولن يتموا به أبداً، وذلك من عجيب تقدير الله في العربية، لمكان القرآن منها، حتى لا يدخل في طمع أحد ولا تناله يد متناول، فهو محفوظ بالقدَر كما ترى، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) .
وإن طائفة من الذباب لو أصابت حامياً مدافعاً من النسور فجاءت تطنُّ
بأجنحتها لتلوذ به وتنضويَ إليه، ثم قصفَ النسر قصفة بجناحيه لأهلكها أو