وقال على القارى فى " تعليقاته ": ولا يبعد أن يقال: الكذب عليه كبيرة وعلى غيره صغيرة وقد تكفر الصغائر عند اجتناب الكبائر، فالمراد: أن الكذب عليه يجعل النار مسكناً لفاعله البته، بخلاف الكذب على غيره فإنه تحت المشيئة وقابل للعفو والشفاعة، فيكون مآل الحال إلى أن الأمر للتأكيد فى الوعيد، وللتشديد فى التهديد ".
الثامنة: كيف تعامل الصحابة مع هذا النص النبوى؟
قال ابن حجر وهو يعلق على حديث الزبير لما سأله ابنه عامر:" إنى لا أسمعك تحدث عن رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) كما يحدث فلانٌ وفلان؟ فأجابه بعظم الأمر كما بينه هذا الحديث، قال: " فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة (?) عن الإكثار من التحديث. وأما من أكثر منهم فمحمول على:
- أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت ..
- أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان. رضي الله عنهم.
فبهذا الكلام قد ذهب الصحابة إلى التقليل من التحديث إلا إذا احتيج إلى ذلك، لأن الإكثار مظنة الوقوع فى الخطأ، يقول ابن حجر مدافعاً عن مذهب ابن الزبير: " ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من إكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار " ا-هـ