فإننا نتعلم لنعمل، ولا سبيل للعمل إلا بعد الفهم، قال عمرو بن قيس المُلائى كما فى الحلية: " إذا بلغك شيء من الخبر فاعمل به ولو مرة تكن من أهله "
ثم نتعلم لنبلغ ولا نكتمه.
قال النووى فى التقريب: " فإن كتمانه لؤمٌ يقع فيه جهلة الطلبة فيخاف على كاتمه عدم الانتفاع، فإن من بركة الحديث إفادته ونشره يُمْن "
وقال الإمام مالك (?): " الناس في العلم اربعة:
رجل علم فعمل به: فمثله في كتاب الله قوله تعالى: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " (فاطر، 28)
ورجل علم به ولم يُعَلِّمه: فمثله في كتاب الله: " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ
بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ " (البقرة، 159)
ورجل علم علماً وعلم ولم يعمل به: فمثله في كتاب الله: " إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا "
(الفرقان، 44) "
فوجب التعلم ثم الفهم ثم العمل ثم الدعوة إلى ما عَلِمناه بما تعلمناه، وكل ذلك ليس لنا إليه سبيل إلا بعد أن نقف على ما فى هذه الأحاديث من دروس وعبر.
ولا أدعى فى ذلك أنى جئت بجديد، أو وقفت على ما لم يقف عليه أحد، ولا أدعى أنى انتحلت هذا من عندى، ولكنها ثمار اجتنيتها من بساتين القوم وليس لى فيها كبير جهد إلا الترتيب، فلا أنسب من ذلك شيء إلى نفسى، متذكراً كلام ابن المقفع فى الأدب الكبير (?):
" إن سمعتَ من صاحبك كلاما أو رأيت منه رأيا يعجبك فلا تنتحله تزينا به عند الناس. واكتف من التزين بأن تجتني الصواب إذا سمعته، وتنسبه إلى صاحبه. واعلم أن انتحالك ذلك مسخطةٌ لصاحبك، وأن فيه مع ذلك عارا وسخفا ". فأنا أربأ بنفسى عن السخافة والعار.