فلم يقبل أبو العباس هذا الرأى، لأنه خاف السيدة، وعاود بدر بن حسنويه فقال:
- «أمّا ما عندي من المشورة والنصيحة فقد قلتها، وأمّا ما يراه لنفسه من غير ذلك فله عندي فيه كل ما يحبّه ويؤثره.» وأقام أبو [110] العباس بعد السنة الاولى سنة أخرى حتى حرز أموره وأنجز علائقه وأحرز أمواله. وكان يعتقد الثقة بأبى على الحسين بن القاسم العارض الملقب بالخطير، ففاوضه أمره وما قرّر عليه عزمه.
وكان أبو على ذا حيلة ومكيدة وكراهية له وعداوة. فقال له:
- «الصواب فيما رأيته. فإنّ أحدا لا يقوم مقامك فيما تقوم فيه وإذا فارقت مقامك تلقّاك بدر بن حسنويه بساوة وقام بمعونتك ونصرتك وتشييد أمرك، وخاف السيدة والجند منه، فنزلوا على حكمك وعدت جديد الجاه قوىّ الأمر.» قال القاضي أبو العباس: فحدثني أبو الحسن البندارى وكان كاتب أبى العباس الضبّى على مكاتباته وسرّه. قال:
- «جارانى الكافي أبو العباس ما أشار به عليه الخطير أبو على.» فقلت: «قد غشّك وما نصح لك، ومتى زالت قدمك عن موضعك تغيرت الأمور وحالت عن تقديرك.» فقال: «ما كان أبو على ليشير بغير الصواب مع إحسانى إليه وتوفّرى عليه.» فلما كانت ليلة خروجه ترك داره بما فيها من فرشه وآلاته ورحله وأثقاله وغلمانه وكانوا سبعين غلاما وخرج ومعه أبو القاسم ابنه وأبو الحسن البندارى كاتبه وغلام تركي من غلمانه ونفر من حواشيه ممن احتاج إليهم لخدمته ونزل على فرسخ من البلد.