خوّف بالله خاف وارتاع. فأفعاله أفعال العباد، وأخلاقه أخلاق الزهاد، مع انقياد الدنيا له فى الإصدار والإيراد، ونفاذ أمره على الرعايا والأجناد، وجمعه فى منهل العدل بين الظباء والآساد.
فأىّ دولة تباهي هذه الدولة القاهرة فى مناقبها ومآثرها، وأىّ أيام تضاهى هذه الأيّام الزاهرة فى محاسنها ومفاخرها، وأىّ قول ينتهى الى حدّ وصفها وان امتدّ وطال، وأىّ بليغ يبلغ أمد فضلها وإن أسهب وقال.
فأعود الآن الى ذكر ما أنا قاصده من الاختيار، متبرّئا من عهدة ما أورده من الأخبار، لأنّى أتبع فى كتاب التاريخ مسطورها، فأختار بحسب المعرفة عقودها وميسورها. وما عساه يندر من خبر شاذّ تلقف من أفواه الرجال، وخلا التاريخ من ذكره إمّا بخفاء أو نسيان أو إغفال. فإنّه يثبت فى بواطنه، وينظم مع قرائنه. وإذا انتهيت، إنشاء الله سبحانه، إلى أخبار زماننا اتسع المجال، وأمكن المقال، وعمدت حينئذ إلى ما شاهدناه وخبرناه فأخبرت به على وجهه وذكرته مجتهدا فى التحرّى وبحسب الإمكان الذي لا أقدر على سواه، [15] وبقدر الوسع الذي لا يكلّف الله نفسا إلّا إيّاه.
وأوّل ما أبدأ به الآن فى كتابي، هو آخر ما ختم أبو على مسكويه [1] رحمه الله، به كتابه فى سنة تسع وستين وثلاثمائة، والله تعالى ولى حسن التوفيق، والهادي فى جميع المقاصد إلى سواء الطريق، وبه أعوذ من الخطل، واعتصم من الزلل، وإيّاه أسأل خاتمة جميلة، بالمغفرة كفيلة. إنّه غفور رحيم.
(انتهت المقدمة)