فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ... إذا لشفيت النفس قبل التندّم
ولكن بكت قبلي فهيّج لى البكا ... بكاها فكان الفضل للمتقدّم [1]
ثمّ إنّ للتصنيف رجالا عنوا بأمره وعاموا فى بحره، وأنسوا بجمع شارده، وتفرّدوا بنظم فرائده. وصاروا بصدده، واستولوا على أمده. فهم لقسيّه براة، وإلى غرضه رماة، وفى طرقه هداة. وقد ربّيت فى غير هذا الوكر، وسقيت من غير هذا الدّر، وتحليت بغير هذه الصناعة، فان قصرت عن بلوغ معانيه، فاحذوا العذر فى العجز وإن وقع سهمي دون مراميه، فأعذر فالنزع [2] فى القوس لين، فلمن سبقنا فضيلة الجمع والاستكثار. ولنا من يمدهم وسيلة الاختيار والاختصار، وكل مجتهد مصيب، وله من حسن الذكر نصيب.
فسلّمت إلى من تقدّمنا الفضل فى زمانهم لمحاسن تلك العلوم المشهورة.
ولو أنهم أدركوا زماننا لسلموا الفضل إلينا بمحاسن هذه الدولة المنصورة، دولة الإمام المقتدى بأمر الله، أمير المؤمنين ذى الكرم والفخار، والحلم والوقار، والأخلاق الطاهرة، والأفعال الباهرة، والكرامات العجيبة فى المنشأ والمولد، والدلالات الصحيحة فى المغيب والمشهد. به أنقذ الله الرجاء من أسر اليأس [11] وألقى عليه محبة قلوب من الناس، بعد أن فجعوا بذخيرة الدين، وليس للقائم رضوان الله عليهما، عقيب سواه، ولا للبيت أحد يصلح للعهد فيولّاه، فتقطّعت النفوس حسرات، وترجّعت الأنفاس زفرات. وبكت الملة واستولت الوحشة والغمّة، فأتى الحمل الميمون به لتمام، وبدا وجهه المنير فجلا كلّ ظلام، وسارت البشرى بذكره فى سائر الآفاق، وزهت أعواد المنابر باسمه حتى كادت تعود للإيراق. ثمّ كلاه فى الفتنة الحادثة أحسن