فاضل اشتدت في علوم الإسلام عراه، وتأكدت في دقائق الحكمة قواه، ولكن دعواه تزيد زيادة غير محصورة على معناه، وله حفظ قويت وثائقه، وخاطر استحكمت قواعده. وله تصانيف اعتدل قوامها، وتوثقت عراها فلا يخاف انفصامها. وقلت فيه من قصيدة فيها:
لقد صحب العلم الرصين وأهله ... لذلك سميناه في الناس صاحباً
وقد ذكرت كمال فضائله في مسألة الوجود الذي تكلمنا فيه في كتابي المعنون بعرائس النفائس وله الي رسائل وفوائد منها استفدت، كأني عاينت فيها عين الحياة ووردت. ومن الفوائد التي جرت بيننا وكتبتها إليه: الحشد حزن على حسن حال يكون للمستحق والمنافسة حزن على حسن حال يكون لغير المستحق، وهي (اي المنافسة) لكبار الهمم والفضيلة قوة جذابة للخير، والكرم بذل المال الكثير بسهولة من النفس، والسخاء فضيلة يكون المرء بها نبيلاً بالتوسع في المال والبخل ضدها، والمروءة فضيلة يكون المرء نبيلاً بالتوسع في المال والبخل ضدها والمروءة فضيلة يكون المرء بها نبيلاً بالتوسع في الطعام: والنذالة ضدها، وكذا الهمة فضيلة يكون المرء بها فعالاً لمحامد الأمور، والسفالة ضدها، والشهامة فضيلة يكون المرء بها حسن الروية في الأمور، والبلاهة ضدها، والحلم فضيلة يكون المرء بها غير منفعل من المغضبات، والسفاهة ضدها. فأجاب بما يليق بفضله.
وكتبت إليه في فصل منه: الرياسة تنقسم إلى رياسة بحسب العلم والعمل، وهي أشرف الرياسات، وإلى رياسة بحسب الإجماع، وإلى رياسة بحسب الغنى، وإلى رياسة بحسب الكرامة، وإلى رياسة بسبب التغلب، والقسم الأول أشرف الرياسات، وهي أن تكون رياسة العلماء لا علمهم، ورياسة الجند لا شجعهم، ورياسة كل صنعة لمن هو أعرف بتلك الصنعة، فيكون رئيس أهل العصر بالرياستين رياسة الصورة ورياسة المعنى، والرياسة التغلبية أخص الرياسات. فهذه بسائط الرياسة وقد تتركب من بسائط الرياسة رياسة كما في زماننا.
وسألته يوماً عن خلق رجل كان حاضراً فقال فيه ما قال، ثم أتبع كلامه فصلاً لطيفاً فيه: خلق الصبي أن يكون متقلب العزيمة، مفرطاً غضوباً لجوجا، محباً للجمال دون النافع، وينخدع بسرعة ولا يعتد بصداقته وعداوته على طباع الزهرة، والشيخ بضده، والشاب متوسط في جميع الأمور، وخلق القوي قوة العزم على الأمر، وخلق النسب التشبه بالآباء، وخلق الغباء الشتم وبذاءة اللسان، والظن بكل أحد أنه يحسده ومتقادم العهد أنبل، وجديد العهد أسوأ أدباً.
الأديب الغزنوي صنف كتاباً وسماه إحياء الحق، وسلك فيه طريقاً غير طريق أرسطو وأبي علي، واستشهد فيه بمسائل استخرجها، وبعث هذا الكتاب إلى السيد أشرف الغزنوي. وكان ذلك الحكيم أديباً فاضلاً مهندساً طبيباً، تتخيل لنفسه رتبة الإعتراض على المتقدمين، والإستعداد (لمناقشتهم) . وأما كلامه في إحياء الحق من تصنيفه فكلام من تأمله عرف فيه رتبته.
وكتب إلى السيد أشرف تلميذه فصلاً فيه: يجب أن يعرف الخطيب في المنافرات الفرق بين المدح والتملق، وفي المشاجرات الفرق بين الظالم والمظلوم. واعلم إن الظلم إنما يصدر عن المتهتك المعروف بالجور، والمظلوم هو الوحيد (؟) المسكين والضعيف، وشكل المشاجر في شكل السبع، وشكل الشاكي كالباكي، والخطيب بقدر على تعظيم الذنب وتحقيره، بأن يقول هو أول من فعل، وماأكبر مافعل، وفعل في وقت له حرمة، وفي مكان له حرمة، ويقول للفاسق أنه لطيف، لذيذ العشرة، وللجبان وادع، ولعديم الحس والتميز عفيف، وللعيي حليم، وربمايذكر علته فيقول: الحسد لازم للعلماء، فأنا لخوف الحسد وشره أحكم بترك العلم.
الفيلسوف أوحد الزمان فيلسوف العراقين وممن ادعى أنه نال رتبة أرسطو، وكان له خاطر وقاد، وله تصانيف كثيرة مثل كتاب المعتبر وكتاب النفس والتفسير وغير ذلك، وعاش تسعين سنة شمسية وأصابه الجذام فعالج نفسه فصح، وعمي فبقي أعمى مدة.