الطبيب البغدادي حكى لي بعض أفاضل نيسابور وهو الإمام الحكيم الكامل أبو بكر بن عروة رحمه الله - وكان ذلك الإمام عالماً بالمذهب والخلاف، وعالماً بجميع أجزاء الحكمة، ورعاً متديناً، كاملاً في جميع ما يكمل به الإنسان في هذا الزمان، وقد مات باستراباذ عند انصرافه من بغداد في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة - (قال) إني دخلت على ابن التلميذ يوماً فما عرف أني حصلت على بعض علوم الحكمة غير درسه، وأورد فيه من دقائق المنطق والطبيعيات ما عرفت به أن له وراء الطب غاية. وحكى لي نجيب الدين أبو بكر الطبيب النيسابوري أنه لما عرف السلطان الأعظم بضعف مزاجه أحضر ابن التلميذ مجلس السلطان وقال: أنا أزيل حماك وكتب نسخة حب فيها مثقال من السقمونيا ومثقال ونصف (من الزبد ومثقال من إيارج لو غاذياً ومثقال ونصف) من شحم الحنظل ومثقال من الزنجبيل ومثقال ونصف من أيارج فيقرأ ونصف مثقال من الريوند الصيني ومثقال من الجاوشير والسكبينج. فقال بديع الزمان الطبيب: السلطان يشرب شربة من الترنجبين مع فلوس الخيار شنبر ويجد منه الإسهال عشرين نوبة فلو تناول هذا الحب من يحبس طبيعته من الأطباء؟ فخاف السلطان من تناوله وبقيت النسخة في أيدي الأطباء بخراسان.
وسمعت أن مرسوم ابن التلميذ ببغداد يزيد كل سنة على عشرين ألف دينار، وكان ينفق جميع ذلك على طلاب العلم والغرباء وغيرهم وكان نصراني الملة وتوفي في شهور سنة تسع وخمسين (وخمسمائة) ومن حكمه وحكاياته ما حكاه لي أبو الفتوح الطوسي النصراني قوله: العالم الذي هو غير معلم كمتمول بخيل.
إن كان لك حظ من الدنيا أتاك مع ضعفك، وإن كان لك منها بلاء لم تدفعه عن نفسك بقوتك.
ربما يأتي الخير من جهة الخوف، والشر من جهة الرجاء من اشتغل بأمر قبل زمانه فرغ منه في زمانه.
كان طبيباً (فاضلاً) كاملاً له تصانيف كثيرة وكان عبد الوهاب النيسابوري تلميذه، وهو ممن حمل تصانيفه إلى خراسان. ولابن الحسن محل معمور في معقولات الحكمة، وتصنيفه في التشريح والمغني في الطب يدلان على كماله في صنعته.
ومن كلماته ما حدثني عنه الحكيم عبد الوهاب قوله: من اعتذر من غير ذنب أوجب الذنب على نفسه.
التواني في المصالح ينتج الهلاك.
أشقى العاجزين من جمع عجزاً إلى عجزه، وتمثل بقول الشاعر:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
ما تكبر أحد إلا لنقصان يجده في ذاته الحياء شعبة من الهيبة إذا كان لك عند (امرىء يد) فالتمس احياءها بإماتتها
كان حكيماً حسن الرواء والبهجة، عالماً بدقائق علوم الحكمة، وجلس خلال ديار الهندسة والمعقولات وأتى على طريفها وتليدها. ورأيت له رسالة إلى الأمام الأوحد الرشيدي فيها: هذا زمان فقدنا فيه ما كان يوحشنا (فقده ووجدنا) فيه (ما يضرنا) وجوده نمرة العلم لوة، والنفقة فيها مستخلفة.
الرأي الصائب أعم منفعة وأقل عند نازلة مضرة ونقصاناً.
ما أصبت من الدنيا شيئاً إلا احتاج ذلك الشيء إلى شيء آخر، فصاحب الدنيا أبداً فقير محتاج.
بن محمد الرشيدي النيسابوري الإمام الأوحد من أولاد هرون الرشيد الخليفة رحمه الله كان فاضلاً، كلامه في الأفهام، كالزلال عند الأوام، إذا خاض في الأدب فقل عرا الأدباء لكنة الارتاج، وإن تفوه بعلوم الحكمة انقطع غيره عن الحجاج، وحصر عن الجواب، وتعقد في الحطاب.
وكان ملجأ الأفاضل وملاذهم في مدة عمره، ومات في الثالث من ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
ومن حكمه ما كتبه إلي: لا شيء من لذات الدنيا إلا ويورث (حزنا) أذكر ما أنت صائر إليه حق ذكره.
نحن في يوم من الغرور ولا نثق بغده.
الزهادة في اللذات الناقصة مفتاح الرغبة (في السعادة الكبرى) (من الأخلاق) السيئة مغالبة الرجل على كلامه والإعتراض فيه.
لا تصادقن شريراً فإن شره يتبعك وإن قطعته أصابك شره.