ذَلِك ثمَّ انصرفت قَالَ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِم الْحُسَيْن بن الْفَضْلِ البَجلِيّ صَاحب عبد الْعَزِيزِ الْمَكِّيّ الْمُقدم فِي معرفَة الْكَلَام
أَخْبرنِي الشَّيْخ أَبُو الْقسم نصر بن نصر الْوَاعِظ فِي كِتَابه عَن الْقَاضِي أَبِي الْمَعَالِي بن عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ من اعْتقد أَن السّلف الصَّالح رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم نهوا عَن معرفَة الْأُصُول وتجنبوها أَو تغافلوا عَنْهَا وأهملوها فقد اعْتقد فيهم عَجزا وأساء بهم ظنا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْعقل وَالدّين عِنْد كل من أنصف من نَفسه أَن الْوَاحِد مِنْهُم يتَكَلَّم فِي مسئلة الْعَوْل وقضايا الجَدّ وكمية الْحُدُود وَكَيْفِيَّة الْقصاص بفصول ويباهل عَلَيْهَا ويلاعن ويجاثي فِيهَا ويبالغ وَيذكر فِي إِزَالَة النَّجَاسَات عشْرين دَلِيلا لنَفسِهِ وللمخالف ويشقق الشّعْر فِي النّظر فِيهَا ثمَّ لَا يعرف ربه الْآمِر خلقه بالتحليل وَالتَّحْرِيم والمكلف عباده للترك والتعظيم فهيهات أَن يكون ذَلِك وَإِنَّمَا أهملوا تَحْرِير أدلته وَإِقْرَار أسئلته وأجوبته فَإِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث نبينَا مُحَمَّدا صلوَات اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَامه فأيده بِالْآيَاتِ الباهرة والمعجزات الْقَاهِرَة حَتَّى أوضح الشَّرِيعَة وَبَينهَا وعلمهم مواقيتها وعينها فَلم يتْرك لَهُم أصلا من الْأُصُول إِلَّا بنَاه وشيده وَلَا حكما من الْأَحْكَام إِلَّا أوضحه ومهده لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولعلهم يتفكرون} فاطمأنت قُلُوب الصَّحَابَة لما عاينوا من عجائب الرَّسُول وشاهدوا من صدق التَّنْزِيل ببدائة الْعُقُول والشريعة غضة طرية متداولة بَينهم فِي مواسمهم ومجالسهم يعْرفُونَ التَّوْحِيد مُشَاهدَة بِالْوَحْي وَالسَّمَاع ويتكلمون فِي أَدِلَّة الوحدانية بالطباع مستغنين