مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَلَوْ جَاءَ بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ يَخْدُمُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ الْخَادِمَ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى، وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ، وَهُوَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ كَانَ يَكْفِي، وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَكَذَا إذَا قَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُعْسِرَةَ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَتُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ فَقَالَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي، جَارِيَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بَقِيَّةَ نَفَقَتِهِنَّ الْمَاضِيَةِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَيَبْقَى بِدُونِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَبِبَيْعِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْإِبَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْجِمَاعِ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَمَنْفَعَةُ النَّفَقَةِ تَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ فَوْقَهُ

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ مُعْسِرٍ وقَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ إبْطَالَ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَوْسُومُ بِالْكَافِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ أَوْ خَدَمٌ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ بِلَفْظِ عَنْ فَقَالَ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ، وَلَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَفِي التُّحْفَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا، وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ أَتْقَانِيُّ

(قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّصِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ

فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَجَّرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرُفِعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَهُوَ الْعَجْزُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015