قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٌ وَحَاجَّةٌ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ أَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا

وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ يُعَارِضُ الزَّوَالَ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى حُبِسَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا يُرْوَى هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِذَا هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحْبُوسَةِ، وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا حَجَّتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَمْ تُفِتْ مِنْ جِهَتِهَا بِاخْتِيَارِهَا

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاحْتِبَاسَ إذَا فَاتَ لَا مِنْ جِهَتِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ عِنْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ فَتَكُونُ مُضْطَرَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَكُونُ مُضْطَرَّةً لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ عِنْدَهُ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ إجْمَاعًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ لَحِقَتْهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَالْمُدَاوَاةِ فِي مَرَضِهَا، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ قَبْلَ النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ فَلِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَجِبُ لَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِهَا، وَحِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمَانِعُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا إذَا مَرِضَتْ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِلَّا فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَطَاوَلَ بِهَا الْمَرَضُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِخَادِمِهَا لَوْ مُوسِرًا) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ مُتَفَرِّغٌ لِخِدْمَتِهَا لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَادِمٍ، وَيُهَيِّئُ أَمْرَ بَيْتِهَا حَتَّى تَتَفَرَّغَ لِحَوَائِجِهِ فَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَالْجَامِعُ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخَادِمِ قِيلَ هِيَ جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ قَائِمٌ، وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَيُقَالُ يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَحْتَاجُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ، وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأَجْرِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ) أَيْ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظُلْمٍ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَتَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ قَالُوا لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ لَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَلُّقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسَنُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ بِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِخَادِمٍ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا) وَالْيَسَارُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015