فَكَذَا بِالرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ لِنُزُولِ لَبَنِهَا بِوَاسِطَةِ إحْبَالِهَا فَيُنْسَبُ اللَّبَنُ إلَيْهِ بِحُكْمِ السَّبَبِيَّةِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرَتْ مِنْهُ فَقَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟ قَالَتْ، قُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي. قَالَتْ، قُلْت: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثْته فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا،
وَقَوْلُهُ لَبَنُهَا مِنْهُ احْتِرَازٌ عَنْ زَوْجٍ لَيْسَ لَبَنُهَا بِسَبَبِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ ذَاتُ لَبَنٍ وَلَبَنُهَا بِسَبَبِ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ رَجُلًا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ رَبِيبَهُ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَوْلَادِ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِهَا وَأَخَوَاتِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ بَعْدُ فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي بِأَمَارَةٍ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَعَنْهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ غَالِبًا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي غَالِبًا فَهُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ لَهُمَا، وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الْوَلَدِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ، وَلِعَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ كَالْمَوْلُودِ مِنْ الزِّنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً إلَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا وَنَسَبًا) مِثَالُهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ ظَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ)؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْنَ مُرْضِعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا)؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا وَلِهَذَا سَاغَ ذِكْرُهَا وَإِلَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةً.
وَهَذَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةً حُرِّمَتْ عَلَى وَلَدِهَا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَدُ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يَحْرُمُ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْغَلَبَةَ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مُسْتَبِينًا كَالثَّرِيدِ.
قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ إذَا أَكَلَهُ لُقْمَةً لُقْمَةً أَمَّا إذَا أَحْسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى حَلْقِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِذَا تَنَاوَلَ الثَّرِيدَ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي كِتَابِ الرَّضَاعِ لِلْخَصَّافِ إذَا ثَرَدَتْ لَهُ خُبْزًا حَتَّى تَشَرَّبَ الْخُبْزُ ذَلِكَ اللَّبَنَ أَوْ لَتَّتْ بِهِ سَوِيقًا فَأَطْعَمَتْهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ طَعْمُ اللَّبَنِ يُوجَدُ فِيهِ فَهُوَ رَضَاعٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنَ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَأْكُولُ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ إدَامٌ لَهُ وَهُوَ تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوبًا فَبَقِيَ مَأْكُولًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ إلَخْ) وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21]، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لِلْفَحْلِ فَشُرْبُ اللَّبَنِ مِنْ الْإِنَاثِ، وَاللَّبَنُ مِنْ الْفَحْلِ وَلِهَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرًا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. أَعْرَابٌ مَكِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ) وَأَفْلَحُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمُهْمَلَةِ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهُ) أَيْ أَخَوَاتُ الزَّوْجِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ إلَخْ) وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ مِنْ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ) أَيْ وَالْيَنَابِيعِ وَالْبَدَائِعِ اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا عَنْ مَنِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالتَّغَذِّي لَا يَنْفَعُ إلَّا مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا)، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلَخْ) حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ.
هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ) أَيْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَطْرَةَ إذَا دَخَلَتْ الْجَوْفَ أَثْبَتَتْ التَّحْرِيمَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ لِأَنَّ التَّغَذِّيَ حِينَئِذٍ بِالطَّعَامِ وَالتَّغَذِّي مَنَاطُ التَّحْرِيمِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا ثَرَدَتْ) هُوَ مِنْ بَابِ قَتَلَ اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ) أَيْ وَهُوَ التَّغَذِّي، وَهَذَا لِأَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ لِلرَّضِيعِ إلَّا بَعْدَ تَقَوُّتِهِ بِالطَّعَامِ وَتَغَذِّيهِ بِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقِلُّ تَغَذِّيهِ بِاللَّبَنِ وَنَشْؤُهُ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جَوْفِهِ مَا يُثْبِتُ، وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَهُوَ الطَّعَامُ فَيَصِيرُ الْآخَرُ الرَّقِيقُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فَإِنْ قِيلَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّبَنَ غَالِبٌ فِي الْقَصْعَةِ، أَمَّا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِيهِ فَأَكْثَرُ الْوَاصِلِ إلَى جَوْفِهِ الطَّعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ اعْتَبَرْنَا غَلَبَةَ اللَّبَنِ إنْ غَلَبَ وَأَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ اهـ.
فَتْحٌ