بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ هُوَ اللَّبَنُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَظْهَرُ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ؛ فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا صَارَ مُسْتَهْلَكًا لِلَّبَنِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَلَا إنْبَاتُ اللَّحْمِ وَلَا إنْشَازُ الْعَظْمِ.

وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ؛ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَقْصُودٌ فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ وَفِي الْمُنْتَفِي فَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ إذَا جُعِلَ فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ دَوَاءٌ فَغَيَّرَ لَوْنَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْ طَعْمَهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ حُرِّمَ وَإِنْ غَيَّرَ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ طَعْمُ اللَّبَنِ وَذَهَبَ لَوْنُهُ لَمْ يُحَرِّمْ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ الدَّوَاءُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَبَنًا ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ خَلْطِهِ بِالطَّعَامِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنِ شَاةٍ فَهُوَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ وَبَيْنَ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَعَلَّقَ بِهِمَا التَّحْرِيمُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ، بَلْ يَقْوَى بِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مُحَرِّمٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالْجِنْسُ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ كَذَا فِي الْغَايَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَبَنُ الْبِكْرِ وَالْمَيِّتَةِ مُحَرِّمٌ) أَيْ مُثْبِتٌ لِلْحُرْمَةِ أَمَّا لَبَنُ الْبِكْرِ فَلِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَلَبَنِ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ إذْ هُوَ لَبَنٌ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْمَيِّتَةُ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حُرْمَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَصِيرَ أُمًّا لَهُ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَحَلُّهُ الْحَيَاةُ فَيَمُوتُ بِمَوْتِهَا، فَيَكُونُ نَجِسًا فَلَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَرَامٌ وَحُرْمَةُ الرَّضَاعِ كَرَامَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْحَرَامِ كَالزِّنَا فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَبَنٌ حَقِيقَةً وَهُوَ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّبَنَ يَمُوتُ بِمَوْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا بَانَ مِنْ الْحَيِّ، وَلَوْ كَانَ يَمُوتُ لَمَا حَلَّ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْهُ مَيِّتٌ.

وَقَوْلُهُ نَجِسٌ أَوْ فِعْلُ حَرَامٍ يَبْطُلُ بِمَا إذَا خَالَطَهُ خَمْرٌ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا إجْمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا، بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَنَهَا لَوْ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَانِعًا لَمَا ثَبَتَ وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا مَحَلَّ الْحَرْثِ، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الِاحْتِقَانُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا) الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ قَسْرًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسَّعُوطُ صَبُّهُ مِنْ الْأَنْفِ وَيُقَالُ أَوْجَرْته وَوَجَرْته اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ أَوْ النَّبِيذِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ اُسْتُعِطَ اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ إلَخْ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ قُلْنَا نُدْرَةُ الْوُجُودِ لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّلِيلِ إذَا وُجِدَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَمَذْهَبُنَا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ إلَخْ)، ثُمَّ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ اهـ.

هِدَايَةٌ قُلْنَا إنْ أَرَدْت أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتٍ فِيهَا مَنَعْنَاهُ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّفَاقِ مَحَلِّيَّتِهَا حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْكُلِّ مَعًا شَرْعًا وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأُمِّ ذَاتِيٌّ لَا زَمَانِيٌّ فَإِذَا ثَبَتَ الْمَانِعُ فِي حَقِّهَا ثَبَتَ فِيمَنْ سِوَاهَا، وَلَوْ عَلَّلَ ابْتِدَاءً بِنَجَاسَةِ اللَّبَنِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَرَامَةً إذْ فِيهِ تَكْثُرُ الْأَعْوَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالسَّكَنِ وَبِالْمَوْتِ تَنَجَّسَ فَإِنْ أَرَادَ عَيْنًا مَنَعْنَاهُ، بَلْ لَبَنُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا تَوْجِيهَهُ بِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لِمَا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ، وَقَدْ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنَجِّسِ إذْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجِ مِنْ بَاطِنٍ إلَى ظَاهِرٍ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ وَصْفِهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا قَالَا بِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ أُوجِرَ بِهِ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ أَرَادَ التَّنَجُّسَ مَنَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ) أَيْ وَهُوَ إيجَارُ اللَّبَنِ النَّجِسِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ لِهَذِهِ الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أُوجِرَ لَبَنُ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فِي فَمِهَا زَوْجٌ فَإِنَّ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَدْفِنَ وَيُيَمِّمَ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا حَيْثُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ فِي الرَّضَاعِ الْإِنْبَاتُ وَالنُّشُوزُ بِوَاسِطَةِ التَّغَذِّي وَفِي حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الْجُزْئِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَدُ بَعْدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015