الرَّضَاعِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ فِصَالٌ مُدَّةَ الرَّضَاعِ يَكُونُ بَيَانًا لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ لَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْفِصَالِ وَالْحَمْلِ وَأَرَادَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ.
وَكَذَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْفِصَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ مُدَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة: 233] ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَلِهَذَا عَلَّقَ الْفِصَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَالْفِطَامُ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ مُدَّتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إنْ فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَا يَجْتَزِئُ بِالطَّعَامِ لَكِنْ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ هُوَ اللَّبَنُ دُونَ الطَّعَامِ يَكُونُ رَضَاعًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ هُوَ الطَّعَامُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، ثُمَّ قِيلَ لَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ مُدَّتِهِ.
وَقَوْلُهُ مَا حَرُمَ مِنْهُ بِالنَّسَبِ أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُمْ بِالنَّسَبِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَأُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ رَبِيبَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَيْثُ وُجِدَتْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَحُرْمَةُ أُمِّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا أُمُّ أَخِيهِ، بَلْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ، وَكَذَا أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ بِنْتُ امْرَأَتِهِ بِدَلِيلِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فِي الرَّضَاعِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ فَبَطَلَ دَعْوَى التَّخْصِيصِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ.
وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ لَا أَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ أُمُّ امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَبِي أَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَخِي وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَبِي حَفِيدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِخَالِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ وَإِنَّمَا الْحِلُّ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي النَّسَبِ أَيْضًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ.
وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا؟ بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا مُوجِبٌ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَبَنُهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْفِصَالِ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْآدَمِيُّ أَوْ جُزْؤُهُ مُبْتَذَلًا مُهَانًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلدَّوَاءِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ، وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: تَكُونُ أَمَةً أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ كِتَابِ النَّافِعِ حَيْثُ يَقُولُ: لِأَنَّهَا أَمَةُ أَوْ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُخْتُ مِنْ أُمِّهِ لِأَبِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ نَافِلَتُك أَجْنَبِيَّةً يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِنْتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ النَّافِلَةَ هِيَ أَوْلَادُ الِابْنِ وَأَوْلَادُ الْبِنْتِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِنْتُهُ رَاجِعٌ لِلثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَك أَجْنَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) أَيْ وَهِيَ أُخْتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ أَبُوهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَأُخْتُهُ تَكُونُ عَمَّتَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ) أَيْ وَلَهُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْحَصْرَ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ، بَلْ أَجْنَبِيَّةٌ أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: زَوْجُ مُرْضِعَةٍ إلَخْ) يَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الرَّضِيعِ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ ابْنُهُ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَا أَبُو الرَّضِيعِ مِنْ النَّسَبِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضِعَةَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَهِيَ كَأُمِّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِ أَبِي الصَّبِيِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ اهـ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) أَيْ وَهُوَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ اهـ.