عَلَى الْمُصِرِّ سَوَاءً خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْآخَرُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهَا)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ، وَكَذَا حَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ مَوْلَاهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ سَيِّدِهِ فَمَاتَ سَيِّدُهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِيهِ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفَرْقِ لَا السَّبْيِ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ عَقَدَ عَقْدَ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا.
وَكَذَا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَدُخِلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَبَبُ الْفُرْقَةِ السَّبْيُ دُونَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَتَّى تَقَعَ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ بِالسَّبْيِ، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا وَلَا تَقَعُ بِالتَّبَايُنِ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي وَلِهَذَا لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَسْبِيِّ، وَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَامْتَنَعَ الصَّفَاءُ أَمَّا تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ فَتَأْثِيرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ، وَانْقِطَاعُ الْوَلَايَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمِنَ أَوْ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمِنَ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمْ حَقِيقَةً، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنَعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ إلَى مَنَعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا «رَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَه زَيْنَبَ إلَى زَوْجِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ» وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحَرَّجُوا فِي وَطْئِهِنَّ لِأَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أَيْ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ حُرِّمْنَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ تِلْكَ السَّبَايَا وَأَبَاحَ وَطْءَ سَبَايَا أَوْطَاسٍ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ.
وَهَذَا لِأَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ وَمَحَلُّ النِّكَاحِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ، فَيَكُونُ مَمْلُوكًا كَالسَّابِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَقٍّ مُحْتَرَمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْقِطُ مَالِكِيَّتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ لِكَوْنِ الْمَالِكِ لِلنِّكَاحِ مُحْتَرَمًا وَلَنَا أَنَّهُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ، وَالنِّكَاحُ شُرِعَ لِمَصَالِحِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَلَا يَبْقَى عِنْدَ عَدَمِهَا كَالْمَحْرَمِيَّةِ إذَا اُعْتُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ كَالْمَوْتَى وَلِهَذَا لَوْ الْتَحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدُّ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَوْتَى فَلَا يُشْرَعُ النِّكَاحُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارِ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِهِ إذْ هُوَ لَمْ يَدْخُلْهَا لِلْقَرَارِ وَلِهَذَا يُمَكَّنُ الذِّمِّيُّ مِنْ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا مَنَعَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ فَهِيَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ وَالسَّبْيُ سَبَبٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَآلًا، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَبَتَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ مَقْصُودًا يَخْتَصُّ بِشَرْطِهِ كَالشُّهُودِ وَفِي السَّبْيِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَ فَارِغًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَالِكُ النِّكَاحِ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَلَوْ كَانَ السَّبْيُ يُوجِبُهُ لَمَا اخْتَلَفَ بَيْنَ الْمُحْتَرَمِ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ السَّبْيَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يُنَافِي الْبَقَاءَ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ.
وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدٍ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنْ كَانَ عَلَى حُرٍّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ كَانَ دَيْنُهُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ السَّبْيِ لَوَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ دَيْنَ الْعَبْدِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِخِلَافِ دَيْنِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ، وَأَمَّا «رَدُّ زَيْنَبَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ» فَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا لِصِحَّتِهِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ فِيمَا رَوَيْنَا حِجَاجًا وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُبْهَمٌ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ إسْلَامَهَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِسِتِّ سِنِينَ.
وَقِيلَ بِسَنَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَرَى بَقَاءَ النِّكَاحِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُنَّ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ؛ لِأَنَّ رِجَالَهُنَّ قُتِلُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عِلَّةَ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَنَا هُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَوَاءٌ وُجِدَ السَّبْيُ أَوْ لَمْ يُوجَدُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ السَّبْيُ سَوَاءٌ وُجِدَ التَّبَايُنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَمْ لَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ فَائِدَةُ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ حِلُّ وَطْءِ الْأَمَةِ لِمَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الرَّجُلُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا أَوْ أُخْتَهَا إنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَى الَّتِي بَقِيَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَالصَّفَاءُ هُنَا بِالْمَدِّ أَيْ الْخُلُوصُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ لِثُبُوتِ الصَّفَاءِ بِالْمَسْبِيِّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَعْنِي لَوْ سُبِيَ الْحَرْبِيُّ وَفِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ لِحَرْبِيٍّ آخَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ فِي السَّبْيِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَسْبِيِّ) أَيْ إنْ كَانَ لِكَافِرٍ بِعَدَمِ احْتِرَامِهِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَتَأْثِيرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ) أَيْ وَلَايَةِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَارِجًا إلَيْنَا وَوَلَايَةُ مَنْ فِي دَارِنَا إنْ كَانَ لَاحِقًا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) الْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةُ تَبَاعُدُهُمَا شَخْصًا وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ، بَلْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى اهـ. اك (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رِجَالَهُنَّ قُتِلُوا إلَخْ) فِي الْكَاكِيِّ الْمَرْوِيُّ أَنَّ الرِّجَالَ هَرَبُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَإِنَّمَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا سَبَايَا أَوْطَاسٍ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ سُبِينَ وَحْدَهُنَّ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تُفِيدُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أَصَبْنَا سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]» لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ حِلُّ الْمَمْلُوكَةِ مُطْلَقًا سَوَاءً سُبِيَتْ