بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ قَامَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَلَا يَجِبُ لَهَا ثَانِيًا وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تُجَامِعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنَّمَا الدُّخُولُ يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ وَخِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ لِلْأَمْهَارِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ وَفِي التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذْ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ»، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِيجَابُ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ وَلَا بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إخْلَائِهِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ فِي بُضْعٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبُضْعِ صَدَاقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاشْتِرَاكُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِصَلَاحِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَالشَّارِعُ إنَّمَا شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَخِدْمَةُ الْحُرِّ وَتَعْلِيمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ فَالْمُتْعَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالنَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ) أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرُ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ) وقَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] أَمَّا إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، ثُمَّ قَالَ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ) وَعُلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقِيلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. كَمَالٌ (فَرْعٌ مِنْ الْغَايَةِ) لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ جَازَ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى فَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ فَلِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا يُكْمِلُ مَهْرَهَا عِنْدَ فَوَاتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُسَمَّى) أَيْ وَهُوَ الْبُضْعُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إيجَارُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» إلَخْ) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا شِغَارَ إلَخْ) وَالنَّفْيُ رَفْعُ الْوُجُودِ فِي الشَّرْعِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ صَدَاقٌ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي وَهُوَ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الْخُلُوُّ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِيهِ فَأَيْنَ الْخُلُوُّ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُقَالُ شَغَرَ الْبَلَدُ إذَا خَلَا مِنْ النَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا)، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. فَتْحٌ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ بِنْتِهِ مَنْكُوحَةً كُلَّهَا صَدَاقًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا دُفِعَ لِشَخْصَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الشِّغَارِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015