الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً إذْ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فَعِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا فَلَا تُجْعَلُ مَالًا فَصَارَتْ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ وَجْهُ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيمِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ: هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا السُّوَرُ الَّتِي سَمَّاهَا فَقَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُرْوَى أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِبَرَكَةِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا كَتَزَوُّجِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ؛ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ فَلَا يَصْلُحُ صَدَاقًا لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ كَتَعْلِيمِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَفْرُوضَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ نِصْفٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ
وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِدْمَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّهَا مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغُصُوبِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا وَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا تَسْتَحِقُّ خِدْمَتَهُ بِحَالٍ فَانْعَدَمَتْ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِأَمْرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ وَلِقِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ انْكِشَافِ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَمْ يَجُزْ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُجِزْ مَوْلَاهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِرِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ خِدْمَتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا) أَيْ وَلَهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالْتَزَمَهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ وَوَهَبَتْ لَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ مُجَاوَزًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ فِي الْجَامِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ إلَخْ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ الثَّلَاثَةُ تَجِبُ الْخِدْمَةُ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ) أَيْ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ إلَخْ) وَقُلْنَا الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَتَقَوُّمُهَا فِي الْعُقُودِ لِضَرُورَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا مَنَعْنَا الشَّرْعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَمْ يَثْبُتْ تَقَوُّمُهَا وَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا وَقِيمَةُ الشَّيْءِ خَلَفٌ عَنْهُ وَشَرْطُ الْخَلَفِ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا بِحَالٍ فَلَا يَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ قَوْلُهُ: لِدَعْمِ الْإِحْرَازِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَلَا يُتَصَوَّرُ إحْرَازُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا) وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] كَذَا بِخَطِّهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ لَهُنَّ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ) أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ) أَيْ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهَا غَنَمَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا) أَيْ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ) أَيْ سَنَةً اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ وَيَجُوزُ إصْدَاقُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ النَّاسِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ) أَيْ وَهِيَ مَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ خِدْمَتُهُ لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاطُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا أَيْ يَقُومُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصَالِحِ مَالِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ فِي الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَوْلًا لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضًا وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ يَصِحُّ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ) أَيْ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ لَقَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا) أَيْ وَيَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ.