{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَنِصْفُ الْمُسَمَّى خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَانْعِدَامِهِ وَفِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ النِّصْفُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ وَمُرَادُهُ قِيَاسَانِ بَيَانُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ جَمِيعِ الْمَهْرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْدَ عَرْضِ نَفْسِهَا عَلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِيهِ أَيْضًا عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ إلَيْهَا سَالِمًا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا كَالتَّقَايُلِ فِي الْبَيْعِ فَتَعَارَضَا فَرَجَعْنَا إلَى النَّصِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّصِّ حَيْثُ رُجِعَ إلَى النَّصِّ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِالْخَلْوَةِ وَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُتْعَةُ فِي الثَّانِي وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ مِثْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَّ فِي الْغَايَةِ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ زِيَادَةُ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْقِيَاسَ يُعَارِضُ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا عَارَضَهُ الْقِيَاسُ أَوْ لَا
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً لَا عَلَى الْيَقِينِ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحَوَاشِي سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ تَرْكُهُمَا بَلْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيفَ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إيجَابِ النِّصْفِ وَالْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إسْقَاطِ النِّصْفِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ أَيْضًا
وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَوَاشِي الْأَصْلُ إذَا تَعَارَضَ الْحُجَّتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى تَهَاتَرَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْقُطَانِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ مِنْ حُكْمِ جَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ يُشْبِهُ التَّعَارُضَ صُورَةً فَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ إشْكَالًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ هُنَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا لَا يُتْرَكَانِ بَلْ يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ تَرْكُهُمَا هُنَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ قَالَ مُتَعَارِضَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الثَّلَاثَةِ
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْحُجَّتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى الْأَضْعَفِ لَا إلَى الْأَقْوَى كَالْآيَتَيْنِ مَثَلًا إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى السُّنَّةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّنَّتَانِ يُصَارُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ صَارَ هُنَا لِتَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ إلَى الْكِتَابِ فَجَوَابُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ فَلِهَذَا صَارَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَارُضِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ فِي مِثْلِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ، وَكَذَا بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضَمَّنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَسَنَذْكُرُ لِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ بِلَا دُخُولٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِبِكْرٍ فَدَفَعَهَا فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا لَيْسَ كَالدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ كَمَا لَهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَالْخَمْسَةُ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ وَاعْتِبَارَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالثَّوْبُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَوْبٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا سَيُعْلَمُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ جَائِزٌ، وَهَذَا النَّصُّ إلَخْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ) أَيْ مَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ الْخَالِي عَنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إشْكَالًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ إشْكَالٌ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ) اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ اهـ.