أَنْ يَصْلُحَ لِلْأَبَدِ؛ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ جَعَلَهُ مَهْرًا وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَا مَعَك أَيْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَاقِ حَدٌّ لَكَانَ الدَّانَقُ وَالْحَبَّةُ وَالْفَلْسُ صَدَاقًا لِلْبُضْعِ، فَيَكُونُ دُونَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ
وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ لِقِلَّتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحَبَّةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذْ كُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحُرَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمَةِ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَوَازِ أَيْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَهْرَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَرْأَةُ قَدْ لَا تَرْضَى أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ غَالِبًا وَهُوَ الْعَادَةُ وَمَهْرُ مِثْلِ الْحُرَّةِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْأَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا قَالَ وَمَا يَقْطَعُ شَغَبَهُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَهْرَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُشْرَعْ بِدُونِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ وَخَطَرِهِ وَلَوْ صَلُحَ الْفَلْسُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ بِخَطِيرٍ مَهْرًا لَمْ يَظْهَرْ خَطَرُهُ وَلَجَازَ بِدُونِ الْمَهْرِ إذْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ
وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي هَذَا أَفْسَدُ؛ لِأَنَّ حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا يَعُدُّهَا أَحَدٌ مَالًا، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَتْ لَا يَأْخُذُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِدُونِ الْمَالِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا) أَيْ فَإِنْ سَمَّى الْعَشَرَةَ أَوْ دُونَ الْعَشَرَةِ (فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ) فَأَمَّا إذَا سَمَّى عَشَرَةً؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بِهِ، وَكَذَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْقَدُ لِلْأَبَدِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مُوَاجِبِهِ وَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ فَلِأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَيَتَأَكَّدُ بِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَعَدَمِهِ قُلْنَا فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَتَجَزَّأُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْقَلِيلِ
ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْوَطْءَ وَالْمَوْتَ حَيْثُ يَجِبُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ وَهِيَ كَالْوَطْءِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مُفْرَدًا بِشُرُوطِهِ فَلِقَصْدِهِ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا سَمَّى عَشَرَةً وَمَا دُونَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا إذَا سَمَّى أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْعَشَرَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ) وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50]، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُجْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَك وَغَيْرِك {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 50] مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَك لَا يَسْتَلْزِمُهُ تَقْدِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ اهـ. مَعَ حَذْفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوْتُهَا وَمَوْتُهُ وَاقْتِصَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَوْتِهِ اتِّفَاقِيٌّ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لُزُومُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلُ لَازِمًا لَكِنْ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) أَيْ لِأَنَّ انْتِهَاءَهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ بِتَمَامِهِ فَيَسْتَعْقِبُ مُوَاجِبَهُ الْمُمْكِنَ إلْزَامُهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ وَالنَّسَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَوْتَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَعَدَمِهِ) كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ) فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ) أَيْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنِصْفِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) أَيْ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ الشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَالْوَطْءِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ كَالْوَطْءِ
اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ)، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَحُكْمُ هَذَا التَّنْصِيفِ يَثْبُتُ عِنْدَ زُفَرَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَيَعُودُ النِّصْفُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ الْمَهْرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ لِلْمَرْأَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ عِتْقِهَا بِنِصْفِهَا لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ وَلَوْ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَفَذَ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا بَاعَتْ وَوَهَبَتْ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عِنْدَنَا، وَإِذَا نَفَذَ