نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ وَلَمْ يَمَسَّ حَتَّى مَاتَ فَرَدَّدَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رُؤَاسٍ حَيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ»، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَأَبُو سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْت» قَالَ: فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْعَشَرَةِ وَفِيهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ حَقُّهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الْوُجُوبَ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَهَا أَنْ تُبْرِئَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَمْرٌ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَكَذَا كَلِمَةُ حَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ وَذِكْرُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] مَعَ أَنَّهُ مُنْذِرٌ لِلْكُلِّ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ إلَّا مَنْ يَخْشَى صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ غَيْرَهُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يَأْتَمِرْ إلَّا الْمُتَّقِي وَالْمُحْسِنُ خُصَّا بِالذِّكْرِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَلْزَمُهُمْ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) أَيْ الْمُتْعَةُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ حَالُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ، ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى أَقْوَى وَمَعَ هَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَرَدَّدَهُمْ) أَيْ شَهْرًا وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ مُدَّةَ الشَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ) الْوَكْسُ النَّقْصُ وَالشَّطَطُ الْعُدْوَانُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ) وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تِزْوَعُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَسْرُ خَطَأٌ وَفِي الصِّحَاحِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعُوِّلَ إلَّا خروع وَعَتُودٌ اسْمُ وَادٍ اهـ. قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُتْعَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) أَيْ وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِي الْمَفْرُوضِ بِالْعَقْدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عِنْدَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] أَيْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةَ صَرْفِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ إلَى النَّدْبِ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ قَصْرِ الْمُحْسِنِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبَاتِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَلَا يَكُونُ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظِ حَقًّا وَعَلَى اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ) دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ أَيْ يُغَطَّى اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَمِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ فَكَذَا خَلَفُهُ اهـ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى {الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَصُيِّرَ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشَرَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: كَالطَّلَاقِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا وَإِنْ وُحِّدَتْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا حُكْمُهُ فَلَا مُتْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ اهـ.