هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ.» وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ بِنَعْلَيْنِ فَأَجَازَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -»؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِوَضِ فِيهِ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْإِجَارَةِ أَشْبَهُ لِكَوْنِ الْمَهْرِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ لَكِنْ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يَصِيرُ حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَاقَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَلَسِ، وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نَظِيرُ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَأَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا: أَعْطِهَا شَيْئًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ»
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَهَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي آخِرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا صَلَحَ بَدَلًا لِوَطْئِهِ لَا يَلْزَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا») مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ) أَيْ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) أَيْ فِي التَّمْهِيدِ اهـ. وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَافِظُ الْمُغْرِبِ تُوُفِّيَ بِشَاطِبَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْمُبْهَمَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ) أَيْ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَقَلِّ الْمَهْرِ فِي الْغَايَةِ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ ذَهَبٍ وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عِنْدِي لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ وَزْنَهَا مَجْهُولٌ وَالصَّدَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت بَلْ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ عِنْدَ تَعْجِيلِهَا وَقَبْضِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا رُوِيَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِيًّا مِنْ الدُّخُولِ عَلَى فَاطِمَةَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ أَيْ نَدْبِ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْتِمَاسِ خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهُ تَقْدِيمُ شَيْءٍ تَأَلُّفًا وَلَمَّا عَجَزَ قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يُعْطِيَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ، فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَدِيثُ النَّعْلَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَتُرِكَ وَحَدِيثُ الْعَلَائِقِ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ تُسَاوِيَانِ عَشَرَةً وَكَوْنِ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ فِي دَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا تَامًّا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامِّ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبَهُ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُقْتُرِنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ