مُوجَبُهُ النِّكَاحُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَكَذَا مَعَ نَفْيِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّوَالُدُ وَالِازْدِوَاجُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْمَهْرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَقَلُّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَنْهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا، وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ: مَا جَازَ أَنْ يُمْلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ

وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمْ سُقْت إلَيْهَا؟ فَقَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ

وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقَالُ أَمْهَرَهَا بَلْ مَهَرَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي الصِّحَاحِ أَمْهَرَهَا وَمَهَرَهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَهَرَ الْمَرْأَةَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَأَمْهَرَهَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَتَزَوَّجَهَا بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ لَا يَصِحُّ فَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَفْسُدَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ السَّابِقِ، ثُمَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ وَسَنَذْكُرُهُ قُلْنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ اُعْتُبِرَ حُكْمًا شَرْعًا وَإِلَّا لَمَا تَمَّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ بِلَا رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ، فَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ بِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا كَانَ شَرْطُ عَدَمِهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَبِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنُهُ فَلَا يَتِمُّ دُونَ رُكْنِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ بِعْت بِكَذَا لَا مُجَرَّدُ بِعْت هَذَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا فَإِنْ هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهُ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَهَا حَبْسُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يُحْبَسُ بِخَلَفِهِ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِالْقِيمَةِ، وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ وَهِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَمَنَعَتْهُ حَتَّى هَلَكَ هَلْ تَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ وَفِي الْأَخِيرِ تَضْمَنُ تَمَامَهُ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَنْعِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةُ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ يَثْبُتُ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إنْ لَمْ يُسَمِّ إبَانَةَ شَرَفِ الْمَحَلِّ أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، قَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ وَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُشْرَعْ بَدَلًا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ تَسْمِيَتِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَدَلَ النَّفَقَةُ، وَهَذَا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ فَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ، وَإِذَا فُقِدَ تَأَكَّدَ شَرْعًا بِإِظْهَارِ شَرَفِهِ مَرَّةً بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَمَرَّةً بِإِلْزَامِ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ التَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمِهِ كَالْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ يَثْبُتُ هُوَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَازْدِوَاجٍ) أَيْ لُغَةً اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ)، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ انْتَهَى هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لَوْ تَزَوَّجَهَا بِدِينَارٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُكْمِلُ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ اهـ. غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ) أَيْ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ) هُوَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْعَشَرَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ فَقَدْ أَجَازَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَقَلَّ مِمَّا حَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ النَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُمَا: تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ) أَيْ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ وَالطَّبَرَانِيُّ اهـ. فَتْحٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015