(فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ) الْكُفْءُ النَّظِيرُ لُغَةً يُقَالُ كَافَأَهُ أَيْ سَاوَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ»؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ كَالِازْدِوَاجِ وَالصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ وَتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَيَتَضَرَّرُ الْأَوْلِيَاءُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى»، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَبْقَى أَحْكَامُهُ مِنْ إرْثٍ وَطَلَاقٍ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، ثُمَّ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا رَضِيَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلَهُمَا أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ إذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْبَاقِينَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا)؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا التَّجْهِيزُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَفَارَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا السُّكُوتُ) أَيْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ مِنْ الْوَلِيِّ رِضًا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِهَا إلَّا إذَا سَكَتَ إلَى أَنْ تَلِدَ، فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا، وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ: فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ).

. الْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ اهـ. فَتْحٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَصْلُ الْكَفَاءَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ) أَيْ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُمَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى جَابِرٌ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْد الْبَرّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً) أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ)، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ) أَيْ وَإِلَّا فَفِي الدُّنْيَا ثَابِتٌ فَضْلُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْعَجَمِيِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَاتِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضَةِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِهَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْتُك عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرَّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) قَالَ الرَّازِيّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ اهـ. وَصِفَةُ التَّفْرِيقِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: فَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ بَيْنَ هَذِهِ الْمُدَّعِيَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخًا اهـ. قَالَ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا فَسْخٌ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعُقْرُ اهـ. وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرُ اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَفِي الْحَلْوَانِيِّ لَوْ رَضِيَ الْوَلِيُّ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ اعْتِرَاضٌ بِخِلَافِ الْبَائِنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي) أَيْ كَالشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِيعَ ثَانِيًا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الثَّانِي اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً)، وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ، ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ) وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَيُقَالُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015