الْمُوصِي ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ)، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ مَعَ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا أَوْ صَغِيرًا وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ، بَيَانُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَزْوِيجِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَدَخَلَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ وَمَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كُتِبَ إلَيْهِ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ جِنَازَةِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ

وَلَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاقِيَةً لَمَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ثَمَّ قَدْرُ الْغَيْبَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ الْخَاطِبِ إلَى اسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ الْكُفْءُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ وَابْنُ سَلَمَةَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ

وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الشَّهْرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ كُوفَةَ إلَى الرَّيِّ وَهُوَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَرْحَلَةً وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الرَّيِّ إلَى بَغْدَادَ وَهُوَ عِشْرُونَ مَرْحَلَةً، وَفِي الرَّوْضَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَا تَخْتَلِفُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَذْهَبُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: أَنْ لَا يُوقَفَ لَهُ عَلَى أَثَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ جَابَلْقَا إلَى جَابَلْسَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ زُفَرَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ) أَيْ لَا تَبْطُلُ وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ بِمَجِيءِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ بِمَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ لَا الْأَبُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الِابْنِ وَلِهَذَا تَعُمُّ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ فَكَانَ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ وَالْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْعَجْزِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ فِي الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ زَالَتْ بِبُلُوغِهَا عَاقِلَةً فَلَا تَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَجْزِ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ، وَعِنْدَ حُضُورِهِمَا يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ مَعَ الِابْنِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ) أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ) أَيْ لَا الْأَبْعَدُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ) أَيْ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ كَذَا هُنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرًا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَاضِلِ وَالْغَائِبِ أَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ فَتَنْتَقِلُ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ إلَيْهِ وَالْغَائِبَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَافْتَرَقَا فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ وَالْحَضَانَةَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ عَلَى قِيَامِ وِلَايَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ صَحَّ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلَبْ الْوِلَايَةَ شَرْعًا بِغَيْبَتِهِ أَجَابَ بِمَنْعِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ)، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَبَوَانِ بِأَنْ ادَّعَيَا وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحْسَنُ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَاسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَفِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ اهـ. فَتْحٌ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ كَذَا فِي الْغَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إلَى الْخَاطِبِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ جَوَّالًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ مَفْقُودًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مُخْتَفِيًا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَابَلْسَا) فِي الْقَامُوسِ جَابَلْصَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ) أَيْ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِ بِالْأَخْذِ بِالْعُصُوبَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ) أَيْ بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلِيُّ) أَيْ بِأَنْ بَلَغَتْ مَجْنُونَةً اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْعَارِضِ وَالْعَارِضُ هُوَ الطَّارِئُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ) وَلَا يَبْعُدُ إذْ فِي الِابْنِ قُوَّةُ الْعُصُوبَةِ وَفِي الْأَبِ زِيَادَةُ الشَّفَقَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ اهـ. فَتْحٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015