أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَلِيًّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ فَاطِمَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعُمَرُ عَدَوِيٌّ وَهِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَيَجْمَعُهُمَا قُرَيْشٌ، وَكَذَا الْعَرَبُ غَيْرُ قُرَيْشٍ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يَكُونُ سَائِرُ الْعَرَبِ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ لِمَا تَبَيَّنَ، وَالْمَوَالِي لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَإِنَّمَا يَفْتَخِرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ وَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ، وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا فَخْرَ» وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
إذَا وَلَدَتْ حَلِيلَةُ بَاهِلِيٍّ ... غُلَامًا زَادَ فِي عَدَدِ اللِّئَامِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَوْ قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَتَكَافَأُ دِمَاؤُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَوْ قَتَلْت بَاهِلِيًّا لَقَتَلْتُك بِهِ»، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دَنَاءَتِهِمْ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا عُرِفُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ، وَقَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا يَعْنِي تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ، وَكَذَا الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ يَعْنِي مَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّسَبِ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأَبِ وَتَمَامُهُ الْجَدُّ فَلَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِيهِمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهِمَا، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَبَ الْوَاحِدَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرُ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي التَّعْرِيفِ حَيْثُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَكْفِي النِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَقَعُ اللَّبْسُ فِيهَا لِعَدَمِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي مِصْرَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ امْتَدَّ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَطَالَ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَدِيَانَةً وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تَنْبَنِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسَبُهُ دِينُهُ وَيُقَالُ مَالُهُ وَالرَّجُلُ حَسِيبٌ، وَقَدْ حَسُبَ حَسَابَةً بِالضَّمِّ مِثْلُ خَطُبَ خَطَابَةً قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ قَالَ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْآبَاءِ اهـ. جَوْهَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ: «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ») قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَنُو بَاهِلَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ غِيلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهُ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ) النِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ اهـ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّقْيُ مُخُّ الْعَظْمِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبَوَانِ فِيهِمَا إلَخْ) وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ أَيْضًا هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْغَايَةِ وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَمَوْلَى الْعَرَبِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ الْهَاشِمِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفْئًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ)، وَهَذَا حَسَنٌ بِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ أَيْضًا اهـ. فَتْحٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفْئًا لَا يُفَرَّقُ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ نَسَبِهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَضِيعُ الدَّنِيءُ مِنْ النَّاسِ وَيُقَالُ فِي حَسَبِهِ ضِعَةٌ، وَضِعَةٌ الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ اهـ.