عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا وَلِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ لِلْعَمَّاتِ، ثُمَّ لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، ثُمَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ)، وَقِيلَ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهَا حَالَةً تَكُونُ فِيهَا عَصَبَةٌ وَفِي الْغَايَةِ، قِيلَ قَرَابَةُ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّمْنَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَرِثُ الْفَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُمْ كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ فَأَوْلَاهُمْ الْفُرُوعُ، ثُمَّ الْأُصُولُ، ثُمَّ فُرُوعُ الْأَبِ، ثُمَّ فُرُوعُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا ذُكِرَ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، ثُمَّ الْقَاضِي، وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ نِسْبِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ فَالْإِنْكَاحُ إلَى الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» جَعْلُ جِنْسِ الْإِنْكَاحِ لِجِنْسِ الْعَصَبَاتِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُوهُمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُمْ عَلَى صِيَانَةِ الْقَرِيبِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا لِانْتِسَابِهِمْ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَلَهُمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِنَظَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ يُقَدَّمُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَذَا لَا يَنْفِي ثُبُوتَهَا لَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَتُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَصَبَاتُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ فَكَذَا هَذَا أَوْ نَقُولُ إنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيَنْتَظِمُهُمْ مَا رَوَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) أَيْ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»، وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصِّغَارَ إلَّا إذَا شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّقْلِيدِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ) قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَكَذَا أَوْلَادُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ عَصَبَةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ اهـ. بَزَّازِيٌّ (فَرْعٌ) مُعْتَقَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ بِكَمَالِ الْعِتْقِ وَكَمَالُهُ يَثْبُتُ بِهِمَا فَانْعَدَمَ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنْكَاحُ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ يَجُوزُ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهَا وَدَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ يَصِحُّ فِي الْأُخْتِ لَا فِي الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ اهـ. بَزَّازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ)، وَقَالَ فِي الْكَافِي الْجُمْهُورُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا إلَخْ) فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، بَلْ قَدْ تُرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ، وَمَنْ وَالَاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُمْ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا السُّلْطَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسُ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ مُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ، وَقَالُوا الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَيَثْبُتُ لِأَهْلِهَا إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ تَرِثُ مِنْهُ الْأُمُّ كُلَّ الْمَالِ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا إلَخْ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ.