وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ لِأَحَدٍ هُنَا بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَ الْغَيْرَ حَتَّى لَا يَنْوِيَ مَالَ الْغُرَمَاءِ وَهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ وَلِلْقَاضِي عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَائِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَطْلُبُوا ذَلِكَ أَوْ أَبْرَءُوهُ أَوْ أَوْفَاهُمْ حَقَّهُمْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ حَجْرِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْهَازِلِ فَإِنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ الْعُقَلَاءِ لِقَصْدِ اللَّعِبِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكَذَا السَّفِيهُ يَخْرُجُ كَلَامُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكُلُّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَ الْحَجْرِ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ سِوَى الطَّلَاقِ كَالْعَبْدِ وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ ثُمَّ هُنَاكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِغُرَمَائِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ فَكَذَا هُنَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى يَسْعَى لِمُعْتَقِهِ وَالْمُعْتَقُ لَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ مُعْتِقِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ فِي التَّدْبِيرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَخْدِمُهُ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَتَعَذَّرَ إيجَابُ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ بِمَالٍ وَقَبِلَ الْعَبْدُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَاقَاهُ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّ الِاسْتِيلَادِ تَوْفِيرُ النَّظَرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ وَيَلْتَحِقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ كَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ: هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ لَهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ.

وَكَذَا فِي رَفْعِ حُكْمِ الْحَجْرِ فِي تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهَا لَا شَاهِدَ لَهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا بِحَقِّ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لَهَا بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ، فَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّتِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْحَجِرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي. اهـ. غَايَةٌ. هَذِهِ الْقَوْلَةُ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا وَذَلِكَ قَبْلَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا خَصَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إعْتَاقُ السَّفِيهِ كَإِعْتَاقِ الْمُصْلِحِ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُكَلَّفِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا السِّعَايَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فَلِهَذَا قَالَ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَوُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ) وَفِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا سِعَايَةَ مُوَافِقٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكَاكِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ السِّعَايَةِ عَلَى عَبْدِهِ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى لَهُ سَعَى لَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) أَيْ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتِقًا إيَّاهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا) أَيْ فِي غَيْرِ سِعَايَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الْفَضْلُ) وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَتَصَرُّفِ الْمُصْلِحِ فَلَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015