السَّفَهِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا فَيَصِيرُ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ إنْ بَلَغَ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا) أَيْ إنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] نَهَانَا عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ إذْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلِأَنَّ مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتْ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2] وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ سُمِّيَ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لَا يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.

وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا؛ لِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي أَثْنَى عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّأْدِيبِ عِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى مَنْعُ أَمْوَالِنَا لَا أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ فَعِنْدَهُمَا إذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَدَمُ النُّفُوذِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ.

فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَاقِلٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَضُرُّهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّفَهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً مِنْهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا تَرَدَّدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ؛ لِأَنَّ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِبْقَاءُ مِلْكِهِ نَظَرٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ) أَيْ يَحْكُمُ بِجَوَازِهِ قَاضٍ آخَرُ.

. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ قَوْلُهُ لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ آخَرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي الشَّرْحِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ إلَخْ اهـ وَقَدْ تَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ بَعْدَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالتَّفْرِيعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَرَ الْحَجْرَ جَائِزًا نَفَذَ بَيْعُ السَّفِيهِ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَا وَهُمَا لَمَّا رَأَيَا الْحَجْرَ جَائِزًا وَرَدَ التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَانْعَقَدَ بَيْعُ السَّفِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ نَفَذَ كَمَا فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ فِي يَدِ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَحْجُورِ فِي إجَازَةِ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ يَحْصُلُ لَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَاعَ وَفِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ يَهْلِكُ فِي يَدِهِ لَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي وَلَا نَظَرَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَحْجُورِ فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْزِ لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَيَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيعُ وَمَتَى أَجَازَ يَزُولُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّمَنُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِدُونِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ سَفَهٍ وَرُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَكِنْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى انْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ حَجْرِ السَّفِيهِ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَيْنَ حَجْرِ الْمَدْيُونِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ وَثَمَّةَ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ الْجُنُونِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَذَا هُنَا فَأَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِمَعْنًى فِيهِ بَلْ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَا يَتْلَفَ حَقُّهُمْ بِتَصَرُّفِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَعْمَلُ حَجْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْجَاهِزِينَ) بِالزَّايِ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015