حَقُّهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ بُيُوعِ مَنْ بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ لِوُرُودِ مِلْكٍ بَاتٍّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاضْطِرَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ السَّوْطِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هَدَّدَهُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِنْ هَدَّدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَهُوَ يُقَامُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ فِيهِ مَا يَكُونُ مُتْلِفًا، قُلْنَا: لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِالْأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَإِهْلَاكُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَقَصَدَ فِي زَعْمِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً بَلْ مَعْصِيَةً، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ أَيْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنْ يَكُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ) وَأَمَّا إذَا أَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعًا مِنْ تِلْكَ الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ يُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ اهـ نِهَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ اللُّصُوصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِينَ أَوْ مِنْ لُصُوصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَمَعُوا فَغَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخَذُوا رَجُلًا، وَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذِهِ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ لَحْمَ هَذَا الْخِنْزِيرِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ قُتِلَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] إلَى أَنْ قَالَ {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَالَ فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].

وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حُكْمُهُ أَبَدًا عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا مَحَالَةَ فَيَحِلُّ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الضَّرُورَةُ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ فَتَنَاوَلَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِهِ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ يَأْثَمُ وَهِيَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَفِي وَجْهٍ يُرَخَّصُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَسَبُّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يَكُونُ مَأْجُورًا وَفِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَهِيَ قَتْلُ نَفْسِ مَعْصُومٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ وَالزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ) إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بِالْإِبَاحَةِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفَاءٌ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ حَيْثُ قَصَدَ التَّحَرُّزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015