مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا، بَعْضُ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلِتَعَامُلِهِمْ فِيهِ، وَالْقَوَاعِدُ قَدْ تُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَجَوَّزَ الِاسْتِصْنَاعَ لِذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتَبَرَهُ بِالْهَازِلِ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعِدَةُ دَيْنٌ» فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِيعَادُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.

وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ: صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي لَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَك تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ ثُمَّ قَالَ: وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْوَفَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْآخَرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ وَتَفْسِيرُهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي الْمِصْرِ مُتَعَامَلٌ بِهِ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْأَمَانَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةٌ كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ طَوْعًا كَانَ إجَازَةً كَمَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ التَّسْلِيمَ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَإِنْ سَلَّمَ طَوْعًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارٍ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ، وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ لِيَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُكْرَهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُهُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا.

وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ)؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مَبِيعٌ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الْفَسْخِ.

فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتِ نَفَذَ الْكُلُّ بِتَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمُكْرَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْكُلُّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ كَالرَّاهِنِ أَوْ الْآجِرِ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ أَوْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَجَازَ نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاشِرِ وَالْمُجِيزُ يَكُونُ مَسْقِطًا حَقَّهُ لَا أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا بِإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ الْبَيْعُ) أَيْ وَالْهِبَةُ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ لُزُومَ الْبَيْعِ بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ يُجَوِّزُونَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا سَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَهِدَ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي مِصْرَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمِصْرِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015