تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً, ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة, ولا تعزقوا (?) نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا للأكل, وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وإذا لقيتم قوما فحصوا (?) أوساط رءوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه، فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله، يا أسامة: اصنع ما أمرك نبي الله ببلاد قضاعة، ائت آبل، ولا تقصر من أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ودعه من الجرف ورجع» (?).

والجرف: موضع قرب المدينة، وهذه التعاليم الإنسانية الرفيعة، استمدها الصديق - رضي الله عنه - من فهمه العميق لحقيقة الإسلام وهي ترد على كل من يتهم الإسلام بأنه دين الهمجية والوحشية والعسف (?).

وسار أسامة حتى انتهى لما أمره به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فبعث الجنود إلى بلاد قضاعة وأغار أسامة على «أبني» فسبى وغنم، ورجع إلى المدينة ظافرا بعد أن غاب عنها أربعين يوما, وكان إنفاذ جيش أسامة من أعظم الأمور نفعا للمسلمين، فإن العرب قالوا: «لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام» (?).

لقد أثبتت الأيام والأحداث سلامة رأي الصديق وصواب قراره الذي اعتزم تنفيذه معتمدا في ذلك على الدقة التامة في التزام المنهج النبوي، والأمر النبوي, والتصميم الملهم في وقته المناسب والنظر البعيد إلى المستقبل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015