بيانا لهذا المعنى بعد أن بين أهمية جهاد النفس وجهاد أعداء الله في خارج الإنسان: «وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما، ويخذله ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ، وفوت اللذات والمشتبهات, ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل وهو الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته .. » (?).
وأما جهاد الكفار والمنافقين وأهل المنكر فهو مشتمل على جميع أنواع الجهاد، لأنه جهاد النفس على التضحية باللذة العاجلة في سبيل السعادة الأبدية، وهو في حقيقته مشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فهو مشتمل على محبة الله عز وجل والإخلاص له والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له سبحانه, والصبر والزهد وغيرها» (?)، وكذلك جهاد الشيطان الذي يزين القعود ويمني بالسلامة إلا أنه من الجدير بالذكر أن هذا لا يعني تساوي الجهاد وأشكاله من حيث الأجر والفضل عند الله تعالى.
والمعيار في ذلك أشارت إليه الآيات والأحاديث هو مقادير التضحية التي يقدمها المؤمن في سبيل الله تعالى, فمن كان أشد تضحية كان أفضل عند الله عز وجل وأثقل في ميزانه سبحانه لدلالته على قوة الإيمان بالله، وشدة الثقة بما عنده. ولاشك في أن التضحية بالنفس هي أعلى أنواع التضحية وأكرمها عند الباري تبارك وتعالى، إذ أثمن ما يملك العبد نفسه، وهي أصل كل ثمين، ومرجع كل لذة في هذه الحياة الدنيا، فمن ضحى بها فقد بذل كل ما يملك، ولم يستبق لنفسه شيئا، وإنما قدمها في سبيل ربه، فإن كانت نيته خالصة لله تعالى، كان أكرم الشهداء عند رب العباد، ولذلك قال تعالى: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ