وقال ابن كثير - رحمه الله -: (والاستفهام في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ" إنكاري، ومعناه: أن الله سبحانه لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان (?) , كما جاء في الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاءً الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل: يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء» (?).

ولقد بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الابتلاء صفة لازمة للمؤمن، حيث قال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد» (?).

وفي ظلال الآية الكريمة السابقة يقول سيد قطب - رحمه الله -: «إن الإيمان ليس كلمة تقال، إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء, وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، وهم لا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة، فيثبتوا، ويخرجوا من الفتنة صافية عناصرهم، خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب، لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به، حتى يصبح خالصا ثمينا رفيعا، وهذا هو أصل كلمة «الفتنة» اللغوي، وله دلالته وظله، وإيحاؤه، وكذلك تصنع الفتنة في قلوب المؤمنين» (?) «حين تصهرهم بنار الابتلاء فتخرج من نفوسهم ما قد يكون فيها من خبث وشهوات وأهواء، حتى يكونوا خالصين لله متجردين له, صالحين لحمل الأمانة التي أناطها الله بهم» (?) ألا وهي أمانة كريمة، وهي أمانة ثقيلة، ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص، يصبر على الابتلاء ويعلو فوق المحن (¬6).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015