إن سنة الابتلاء جارية في الأمم والدول والشعوب والمجتمعات, والأمة الإسلامية أمة من الأمم، فسنة الله تعالى فيها جارية لا تتبدل ولا تتغير، إن الابتلاء سنة الله العامة في الحياة والأحياء، وسنته سبحانه في الرسل والرسالات، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بدعا من الرسل، فكان لابد أن تجري عليه سنة الابتلاء كما جرت على إخوانه المرسلين، ومع ما له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عظيم القدر ومنتهى الشرف، إلا أنه قد حظي من البلاء بالحمل الثقيل والعناء الطويل (?)، وتعرض الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - من البلاء ما تنوء به الرواسي الشامخات. لقد أجمع المشركون على محاربة الدعوة الإسلامية لأنها عرت واقعهم الجاهلي وعابت آلهتهم وسفهت أحلامهم؛ آي آراءهم وأفكارهم وتصوراتهم عن الحياة والإنسان والكون، فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولات لإيقاف الدعوة، وإسكات صوتها أو تحجيمها وتحديد مجال انتشارها.

ومن هذه الأساليب:

1 - محاولة قريش لإبعاد أبي طالب عن مناصرة وحماية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فذهبت وفود قريش إلى أبي طالب للتنبيه والتهديد بالمنازلة إن لم يكف ابن أخيه عن هذه الدعوة, ثم أرسلوا وفدا للمساومة حيث يطلبون محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقابل رجل منهم «عمارة بن الوليد» ليقتلوا هذا الذي خالف دينهم وفرق جماعتهم وسفه أحلامهم - كما يدعون - فكانت قولة أبي طالب البالغة الدلالة: «والله لبئس ما تساومونني، أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني فتقتلونه، هذا والله ما لا يكون أبدا» (?) , ومما جعل أبا طالب يصر على موقفه صلابة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووثوقه بالحق الذي عليه، وعدم التنازل أو المداهنة في الحق الذي قامت عليه السموات والأرض.

2 - الاتجاه إلى إيذاء المسلمين؛ فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ولم يقدموا على هذه المحاولة إلا حينما أدركوا وقوف أبي طالب ومن معه من عشيرته إلى جوار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015