أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة في تاريخها مرة بعد مرة، وهو يواجه أمة غالبة، فلابد إذًا من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف أمام القوى الظاهرة الغالبة، هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجات، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها, فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء. فلابد للقائد إذًا أن يبلو جيشه وصموده وصبره، صموده أولاً للرغبات والشهوات وصبره ثانيًا على الحرمان والمتاعب. ولقد اختار طالوت هذه التجربة وهم عطاش ليعلم من يصبر معه ممن ينقلب على عقبيه (?).

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [البقرة: 249]. ولقد بين الله تعالى هذا الأمر للأمة الإسلامية حتى تكون على بينة من طريقها، ورسالتها وطبيعة هذا الطريق وتلك الرسالة.

وجاء ذلك في مواضع متعددة، وبأساليب مختلفة في القرآن الكريم؛ من ذلك قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ .. } [البقرة: 155] وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 186] ومن الملاحظ من خلال الآيات الكريمة أن تقرير سنة الابتلاء على الأمة الإسلامية جاء في أقوى صورة من

الجزم والتأكيد (?).

وهذه سنة الله - تعالى - في العقائد، والدعوات، لابد من بلاء، ولابد من أذى في الأموال والأنفس, ولابد من صبر ومقاومة واعتزام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015