أن يبتلي المؤمنين، ويختبرهم ليمحص إيمانهم، ثم يكون لهم التمكين في الأرض بعد ذلك.

ولذلك جاء هذا المعنى على لسان الإمام الشافعي حين سأله رجل: أيهما أفضل للمرء، أن يمكَّن، أو يبتلى؟ فقال الإمام الشافعي: لا يمكَّن حتى يبتلى، فإن الله - تعالى - ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة.

وابتلاء المؤمنين قبل التمكين أمر حتمي من أجل التمحيص، ليقوم بنيانهم بعد ذلك على تمكن ورسوخ، وهذا الابتلاء للمؤمنين ابتلاء الرحمة لا ابتلاء الغضب، وابتلاء الاختيار لا مجرد الاختبار.

فلو أن قائدا أراد إعدادا للفوز في معركة ضارية، أيكون من الرحمة بهم أن يخفف لهم التدريب ويهون عليهم الإعداد، أم تكون الرحمة الحقيقية أن يشد عليهم في التدريب على قدر ما تقتضيه المعركة الضارية التي يعدهم من أجلها؟

والمؤمنون هم حزب الله وجنوده - ولله المثل الأعلى - والمعركة التي يعدهم من أجلها هي المعركة العظمى، معركة الحق والباطل, والنتيجة المطلوبة من المعركة ليست مجرد النصر، وإنما هي بعد ذلك إقرار المنهج الرباني في الأرض بكل المعاني والقيم التي يحملها ذلك المنهج، وهي الأمانة التي تعرض لحملها الإنسان بقدر الله.

وحمل الأمانة - بعد الانتصار على الباطل - لا يصلح له كل الناس، إنما يحتاج لقوم مختارين، يعدون إعدادا خاصا ليحسنوا القيام به (?).

وقد علم الله تعالى أن الابتلاء هو وسيلة الإعداد لهذه المهمة العظيمة, وفي قصة طالوت شاهد على ذلك (?)؛ فطالوت كان مقدما على معركة ومعه جيش من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015