يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك بالعبادة تلعب (?)

إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرص كل الحرص في طور الدعوة السرية أن يربي أصحابه على صفات جيل التمكين, ونلاحظ من خلال دراستنا للسيرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام بإعلان الدعوة على قريش والمشركين بعد الإعداد الجيد وبناء القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية وأمنية وتنظيمية، وحان موعد إعلان الدعوة بنزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ... } [الشعراء: 214] فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه, فاجتمعت إليه قريش، فقال: «يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟» قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» , فقال أبو لهب: تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا ثم قام (?) , فنزلت هذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].

«ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لابد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لابد أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل، على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محدودة بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية» (?).

ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والإعراض والسخرية والإيذاء والتكذيب، والكيد المدبر المدروس، ولقد اشتد الصراع بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحبه، وبين شيوخ الوثنية وزعمائها, وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015