جـ- العفو والصفح:

ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب، ثم الأناة التي فيها تبصر بالأمور وتأن في التصرف مع الاستناد للرحمة بالجاهلين, كل ذلك يثمر العفو والصفح «لأن القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة فهي أبدا إلى الصفح والحنان أدنى منها إلى الحفيظة والأضغان» (?). وما دام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوه نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم في حق نفسه، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

فإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع, قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} [آل عمران: 159].

وعندما وقعت حادثة الإفك، كان وقعها على آل أبي بكر شديدا فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر - رضي الله عنه - ألا ينفق على مسطح بن أثاثة, فأنزل الله في ذلك قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22]. فصفح الصديق وعفا واستمر في نفقته على مسطح.

إن رحابة الصدر وسماحة النفس تتضمن الرحمة التي تدعو إلى الحلم الذي يقود إلى العفو, فيكون من وراء ذلك التأثير التلقائي لأن الإنسان يتأثر بالإحسان {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع «أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له، وثقة الناس به، لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب، والتغاضي عن السيئات والنقائص، فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رقيقا لينا، سمحا، يسر بالنصيحة ولا يريد الفضيحة، يسد الثغرات ولا ينشر الزلات والعثرات» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015