وهكذا كان قلب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وهكذا كانت حياته مع الناس «ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئا من أغراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منه عاشره، أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفسه الكبيرة والرحيبة» (?).

إن هذه الأخلاق مهمة في تكوين الداعية يحتاج أن يجتهد في اكتسابها لأنها وقود محرك له في دعوته كما أنها ترفع كفاءة القبول، وتكبح جماح الانفعالات النفسية ذات الآثار السلبية، وتتجلى هذه الأخلاق في عدد من الصفات توضحها وتبين أثرها

ومن أهمها:

أ- الرحمة والشفقة:

«إن الداعي لابد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام، لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار وفوزهم برضوان الله تعالى، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأعظم ما يحبه لنفسه الإيمان والهدى فهو يحب ذلك إليهم» (?).

وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس الحزن والأسى على حال المعرضين والعاصين، ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة لاستنقاذهم من الخطر المحدق بهم، والهلاك القادمين إليه، وما أبلغ وأدق النص القرآني في بيان هذه الصفة عند الرسول الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].

تأمل هذه الآيات فإنه: «من فرط شفقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داخله الحزن لامتناعهم عن الإيمان، فهون الله سبحانه عليه الحال، بما يشبه العتاب في الظاهر كأنه قال له: لِمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015