فإن «عكوف القلب على الله تعالى وجمعه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والانتقال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه, فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس, ولا ما يفرح به سواه» (?).

كل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:

1 - التحرر من عبودية غير الله:

الإيمان قوة عظمى يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا ويصبح حرا لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله, ولا يأمل إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة.

أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم يشغل الناس حب المال, وكم باع أناس مبادئهم، وخانوا أمتهم وتنكروا لماضيهم لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبي قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملأ قلبه فلا يتأثر بشيء من هذا لأن في قلبه قول الحق جل وعلا: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22].

ولأنه يعلم من بيده الرزق: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17] وأنه لا يملك أحد من البشر من ذلك شيئا {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} [العنكبوت: 17] , وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق في الدنيا وقيمته المحدودة ويرتبط بقوله: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

وقوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} [ص: 54].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015