الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صوام بالنهار قوام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله، وهذا هو عنوان الفلاح وسمت الصلاح، ومفتاح النجاح إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله وهي التي تجلب التوفيق من الله, فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد (?).

يقول ابن القيم - رحمه الله -: «التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة وامتثال أمر سيده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجوء إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وأن لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفا ورجاء، وفيه أيضا أنه عبد من جميع الوجوه: صغيرًا وكبيرًا، حيًا وميتًا، مطيعًا وعاصيًا، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح، وفيه أيضا أن مالي ونفسي ملك لك فإن العبد وما يملك لسيده، وفيه أيضًا أنك أنت الذي مننت عليَّ بكل ما أنا فيه من نعمة فذلك كله من إنعامك على عبدك, وفيه أيضًا أني لا أتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي إلا بأمرك، كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده, وإني لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا فإن صح له شهود ذلك فقد قال إني عبدك حقيقة» (?).

ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق، أو تمييز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيمًا «إذ كيف تدعو الناس إلى أحد وصلاتك به واهية ومعرفتك به قليلة» (?).

وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب التي تخفى على الناس ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015