ولا يشك أحد أن الأمة الإسلامية تشكو لخالقها قلة الدعاة وغلبة الجهل، وضياع العلم، وتفشي المنكرات مما تحتاج معه إلى جهود ضخمة لإصلاح الأحوال, ولا يكون ذلك إلا بالتعاون لاستثمار هذه الإمكانات بأقصى ما يمكن والإفادة من التجارب، وتبادل الخبرات.
إن أعداء الإسلام يحرصون على بث أسباب الشقاق، وزرع بذور النزاع بين المسلمين عموما، وأعيانهم من العلماء والدعاة خصوصا، وهذا يحقق لهم من الأهداف والغايات ما لا يستطيعون بلوغه بجهدهم وكيدهم، وذلك أن الهدم من الداخل أشد فتكا وأعظم ضررا، ولذا كان خطر المنافقين أكبر وأظهر, وإن عدم إدراك هذه الحقيقة يجعل الداعية يخالف إخوانه من الدعاة بدلا من أعداء الله، ويتفرغ لتسقط أخطائهم وتتبع عثراتهم، فيفرح بذلك أعداء الله، بل إنهم يسعون لذلك ويثيرونه، فعلى الداعية الحصيف أن يفوت عليهم الفرصة وأن يخذلهم باتباع الحق, وفهم حقيقة الاختلاف المبني على الاجتهاد وإحسان الظن بإخوانه، والتماس العذر لهم، والحرص على حماية أعراضهم وسمعتهم، والحرص على التعاون، وإشاعة الخير (?) , وله في ذلك نماذج من الأئمة والعلماء, فهذا الإمام أحمد بن حنبل جاء في سيرته أنه إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد وقيام بحق واتباع لأمر سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله، وهذا الشافعي يناظر يونس الصدفي فيختلفان ويفترقان, قال يونس: فلقيني (أي الشافعي) فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة (?)، وهذا ابن المبارك سمع رجلا ينال من آخر وينتقده فقال له ابن المبارك: هل قاتلت الترك؟ قال: لا، قال: فهل قاتلت