ودعاة يعملون في مجال طلاب العلم, ودعاة في أوساط الانتماءات الموالية أو المعادية للإسلام, وآخرون في مجال النقابات، وفي مجال أصحاب الانتماءات السياسية والحزبية، وفي مجال أصحاب الفكر والرأي وفي هيئات التدريس في الجامعات، ويكون بين الدعاة تعاون وثيق وتنسيق مستمر وتنظيم دقيق وتخطيط رشيد وإدارة واعية وقيادة حازمة, ولابد من توافر صفات الدعاة فيهم وإلا عاد ذلك الجهد بمردود سيئ على الدعوة والمدعوين وعلى العمل الإسلامي كله.
إن أمر التعاون بين الدعاة واجب شرعي, قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين، أو وسيلة واحدة، بل هي ميدان رحب ولها وسائل شتى, وذلك يعني أنه لابد من بذل جهود عظيمة ولابد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه فإنها تقصر عن الإبداع والإتقان في كل مجال، فهناك من يستطيع الخطابة ويجيدها، وهناك من يحسن التأليف ويتقنه، وهناك من ينشر العلم ويدرسه، وهناك من يعرف العمل السياسي، وآخر يبدع في العمل الخيري، وهكذا ولا يتصور أن تغطى هذه المجالات إلا باستفراغ كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل، ورحم الله الإمام مالكا إمام دار الهجرة الذي نصب نفسه في ميدان من أعظم ميادين الدعوة وهو نشر العلم الشرعي, فكتب إليه من يدعوه إلى غير ذلك (?) فقال: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق, فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر, وقد رضيت بما فتح الله لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر» (?).