جنودا من عنده سبحانه وتعالى، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتابع الأمر وأحب أن يتحرى عما حدث عن قرب فقال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة» (?)، فاستعمل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسلوب الترغيب وكرره ثلاث مرات, وعندما لم يجدِ هذا الأسلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في الأمر، فعين واحدًا بنفسه فقال: «قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، ولا تذعرهم عليّ».
وفي هذا معنى تربوي وهو أن القيادة الناجحة هي التي توجه جنودها إلى أهدافها عن طريق الترغيب والتشجيع، ولا تلجأ إلى الأمر والحزم إلا عند الضرورة.
قال حذيفة - رضي الله عنه -: «فمضيت كأنما أمشي في حمام فإذا أبو سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تذعرهم علي, ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصابني البرد حين رجعت وقررت, فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائما حتى الصبح، فلما أن أصبح قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قم يا نومان» (?).
ونستنبط من هذا الموقف دروسًا مهمة منها:
1 - اختيار الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حذيفة - رضي الله عنه - ليقوم بمهمة التجسس على الأحزاب يدل على معرفته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعادن الرجال، وأن معدن حذيفة معدن ثمين (?) , فهو شجاع ولا يقوم بهذه الأعمال إلا من كان ذا شجاعة نادرة، فهذا العمل يكلفه حياته فلو اكتشفه الأعداء لكانت عقوبته الموت صلبا، ومع هذا أقدم على تنفيذ الأوامر.