ب- أما السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم فقد تركت لنا معالم مهمة وخطوطا عريضة في هذا الجانب المهم في حياة المسلمين، فنجد في الفترة المكية من معالمها الكتمان والسرية، ولذلك نجد أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختار دار الأرقم بن أبي الأرقم كمقر سري للدعوة, وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يربي أتباعه على العقيدة والأخلاق الرفيعة استعدادا لمرحلة قادمة، وكان اختياره دار الأرقم بسبب:
1 - إن الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحد أن يتم لقاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بداره.
2 - إن الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - من بني مخزوم, وقبيلة بني مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم فلو كان الأرقم معروفا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو.
3 - إن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم تفكر قريش في البحث عن التجمع الإسلامي فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام، فقد يخطر على ذهنهم أن يكون مكان التجمع على الأغلب في أحد دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكر - رضي الله عنه - أو غيره، ومن أجل هذا نجد أن اختياره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا البيت كان في غاية الحكمة من الناحية الأمنية، ولم نسمع أبدا أن قريشا داهمت ذات يوم هذا المركز وكشفت مكان اللقاء (?).
ونلحظ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهتم ببناء الجهاز الأمني لدعوته ويزرع أتباعه في وسط القبائل من أجل السعي لتمكين دعوة الإسلام، فعندما أسلم عمرو بن عنبسة أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكتم إسلامه ويلتحق بأهله، وإذا نظرنا في قصة إسلام أبي ذر رأيت الجوانب الأمنية بارزة في تلك السيرة العطرة.