وفي بيعة العقبة الثانية نلحظ أن المسلمين رتبوا هذا اللقاء ترتيبا رفيعا، فأخذوا بجميع الاحتياطات الأمنية من حيث الزمان والمكان، وعقدوا الاتفاق عقدا متينا وحققوا ما أرادوا، والمشركون في غفلة عما يحدث، وفي هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قمم شامخة في مجال الترتيب الأمني والتخطيط الاستخباراتي، وبعد أن انتقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة نجده يهتم بجمع المعلومات عن أعدائه, ويربي أصحابه تربية أمنية فريدة من نوعها:
1 - روي عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه بعث عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - في السنة الثانية للهجرة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، وزوده بكتاب مختوم أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ويصل إلى موقع معلوم حدده له، فلما وصل ذلك المكان وآن وقت فض الكتاب، فضه فإذا فيه «إذا نظرت في كتابي هذا فامض على اسم الله وبركاته، لا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك, وامض فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم» (?).
نلحظ في هذه المهمة أمورا منها:
1 - إن هذه السرية كانت سرية استطلاع، غايتها مراقبة العدو واستطلاع أخباره على نحو السرايا الاستكشافية التي تضعها الجيوش أمامها، أو على جانبها، أو على نحو المغافر الأمامية في جهة القتال، وكانت مهمتها المراقبة، والاستطلاع فقط دون التعرض للأعداء بالتحرش أو الاحتكاك أو القتال، وهذا ما يسمى الاستخبارات الهجومية، هدفها جمع المعلومات عن العدو فقط لمصلحة الدولة الإسلامية.
2 - إن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن تبقى سرية حتى على من يحملها وسينفذها أخذا بالاحتياط اللازم وخوفا من تسرب أدنى معلومة للعدو، وتربية لأصحابه أن المعلومة تكون على قدر الحاجة (?).